احتج المتكلمون بأنّا نرى الطويل العريض (١) ، والطول لا يجوز أن يكون عرضا ، لأنّه ثبت كون الجسم مركبا من الأجزاء التي لا تتجزأ فلو كان الطول عرضا لكان محله الجزء الواحد ، لاستحالة قيام العرض الواحد بأكثر من محل واحد ، فالجزء الموصوف بالطول يكون أكثر مقدارا مما ليس موصوفا به فيكون الطويل قابلا للقسمة ، وهو محال. وإذا كان الطول نفس الجوهر والطويل مرئي ، فالجوهر مرئي.
وأيضا الأمارة التي معها يثبت كون الشيء مرئيا حاصلة في الملون ولونه ، فليس جعل أحدهما هو المدرك أولى من الآخر ، فيجب كونهما جميعا مدركين.
بيان ثبوت الأمارة فيهما : أنّا نعلم في الجوهر عند استعمال الآلة في إدراكه الصفة المقتضاة عن صفته الذاتية ، كما نعلم الهيئة في السواد ، فإن جوزنا أن لا يكون الجوهر مرئيا جوزنا مثله في اللون.
وتوضيح ذلك : أنّا نفرق بين الطويل من الأجسام والقصير منها عند زوال الموانع ، ولا يمكن صرف هذه التفرقة إلى اللون ، لأنّه كان يلزم أن لا يثبت في الأغبر مع تجويزنا خلوه من اللون وتجويزنا خلافه ، ومع الشكّ في سبب الفصل لا يقع الفصل ، وكذا لو قال : إنّما يقع الفصل على طريق التبع للعلم باللون ، لأنّه كان يجب فيما يجوّز خلوه من اللون أن لا يقع هذا الفصل ، وقد عرفنا خلافه.
وأيضا لو لم يدرك الجوهر بالطريق الذي به يدرك اللون لجريا مجرى الصوت ومحله في أنّ العلم بالصوت يحصل من دون العلم على بعض الوجوه لما لم يدرك محل الصوت بالطريق الذي يدرك به نفس الصوت ، فإذا لم يصح هذا في اللون ومحله دلّ على أنّهما يدركان بطريق واحد وهو الرؤية.
__________________
(١) قال في مناهج اليقين : «بأنّا نرى الطويل العريض العميق وهو عبارة عن الجسم» : ٤٥.