فمنهم من جعل العلم إضافة بين العالم والمعلوم. (١) ومنهم من جعله صورة مساوية للمعلوم في العالم. ومنهم من قال : إنّه غنيّ عن التعريف ، فلا ينبغي أن يعرّف ، وهو حقّ لكنّه قصد المخلص من مضايقات وقع غيرهم فيها. وضبط المذاهب المشهورة فيه أن نقول :
العلم إمّا أن يكون أمرا عدميا أو ثبوتيا ، والأوّل لا تعدد فيه. والثاني إمّا أن يكون صفة حقيقية أو إضافية ، والثاني إمّا أن يكون إضافة محضة ، أو صفة حقيقية تلزمها الإضافة.
وقبل الخوض في تحقيق ماهية العلم نقول :
زعم جلّ الأوائل أنّ تصور العلم بديهي لوجهين :
الأوّل : أنّ ما عدا العلم لا يعلم إلّا بالعلم ، فلو كان هو معلوما بذلك الغير لزم الدور ، وكيف لا يكون حقيقة ما به ينكشف جميع الأشياء منكشفة بذاتها غنيّة عن الكشف بغيرها؟
الثاني : أعلم بالضرورة علوما خاصة لعلمي بأنّي عالم بوجودي وأنّي عالم بحرارة النار وضوء الشمس ، وتصوّر العلم المطلق جزء من العلم الخاص فيكون سابقا عليه ، والسابق على البديهي أولى أن يكون بديهيا.
اعترض أفضل المحققين على الأوّل بأنّ المطلوب من حدّ العلم هو العلم بالعلم ، وما عدا العلم يعلم بالعلم ، لا بالعلم بالعلم (٢). وليس من المحال أن يكون هو كاشفا عن غيره ، وغيره كاشفا عن العلم به. (٣)
__________________
(١) وهو قول الايجي أيضا. راجع المواقف : ١٤٠.
(٢) لأنّ وجود العلم كاشف عمّا عداه ، ومفهومه منكشف بما عداه.
(٣) نقد المحصل : ١٥٥.