ولأنّه لو كان متحيزا وهو معدوم لشغل المكان ، لأنّ ذلك حكم هذه الصفة وحكم هذه الصفة الذي هو حقيقتها لا ينفصل عنها ، كما نقوله في القادر وصحّة الفعل ، وهذا يقتضي حلول المعاني فيه. ولا يصحّ في المعدوم أن يكون محلا ولا حالا ، وإلّا لثبت التضاد في العدم ، وكان يمتنع عدم الضدين كما يمتنع وجودهما ، فإذن شرط التحيز الوجود.
ولا يمكن أن يكون الوجود مؤثرا في التحيز ، وإلّا لزم اشتراك الموجودات كلّها في التحيز. ولا عدم معنى ، وإلّا لكان متحيزا أبدا. ولأنّه لو وجد ذلك المعنى زال تحيزه ولا معنى يعقل كذلك. ولا وجود معنى ، لاستحالة أن يوجد ذلك المعنى في غيره ، وإلّا لاختص بذلك الغير. ولا مجردا ، وإلّا لم يختص به. ولا فيه ، لأنّ وجوده فيه يقتضي تحيزه أوّلا لتصح فيه طريقة الحلول فكيف يقف تحيزه عليه؟ ولا بالفاعل ، وإلّا لصحّ منه أن يوجده ولا يجعله متحيزا ، وأن يجعله سوادا بدلا من تحيزه ، وأن يجمع بينهما فيجعله جوهرا سوادا ، وهو محال. ثمّ لو قدر طريان بياض عليه لوجب أن لا ينتفي من حيث هو متحيز وينتفي من حيث هو سواد ، فيقتضي أن يكون موجودا معدوما.
وإنّما قلنا : كان يصحّ ايجاده (١) ولا يجعله متحيزا ، لأنّا قد بيّنا أنّ التحيز صفة منفصلة عن صفة الوجود والوجه الذي يحصل عليه الفعل لفاعله يصحّ منه أن يجعله عليه وأن لا يجعله عليه ، كما يصحّ منه أن يوجده وأن لا يوجده أصلا ، ولهذا صحّ أن يوجد الكلام فيجعله خبرا ويصحّ أن يوجده ولا يجعله كذلك ، وحقيقة الفاعل تقتضي ذلك.
لا يقال : كما أنّه لا يصحّ منه أن يوجده ولا يجعله فعلا فكذلك ما
__________________
(١) ق : «ايجاده» ساقطة.