وقال بعضهم : لا يصحّ أن يحكم بقبح شيء علما كان أو غيره لأمر يرجع إلى القصد ، لما يأتي في الإرادة : أنّها لا تأثير لها في القبح.
فبطل إسناد قبح العلم إلى هذا الوجه. ولا يمكن أن يدعى إسناده إلى الغيب فيقال : إنّ أحدنا لو شرع في عدّ الحصى حتّى عرف مقداره كان هذا العلم عبثا ؛ لأنّ هذا العلم ضروري ، وقد بيّنا أنّ الضروريات مستندة إلى الله تعالى ، وما يفعله الله تعالى لا يكون قبيحا. ولا يمكن أن يقال : إنّ فيما تعذر عليه من العلوم والحال هذه ما يقبح للمفسدة ؛ لأنّه لو كان كذلك لوجب أن نعرف حاله لنتجنبه. فليس في قبح العلوم إلّا وجه واحد ، وهو إذا كان من مقدور الله تعالى ويحصل فيه ضرب من المفسدة ؛ لأنّه لو خلق فينا العلم الذي نتمكن معه من الإتيان بمثل القرآن أو بخبر عن الغيب لصار ذلك مفسدا لعلم النبوة ، لجواز أن يدعونا الداعي إليه فنفعله ، فصار كما نقوله في قدرتنا على حمل الجبال وطفر البحار : إنّها لو ثبتت لكانت مفسدة.
ولأبي هاشم أن يجيب عن ذلك ، بأنّ ذلك العلم غير قبيح ، بل القبيح تمكين الله تعالى من إيراد الكلام الذي يبلغ في الفصاحة رتبة القرآن أو يتضمن خبرا عن الغيب ، فيجب أن يصرفه عنه بضرب من الصرف أو يخلقه في أخرس أشل بحيث لا يتمكن من الكلام والكتابة إذا كان فيه غرض ما.
ويمكن أن يعترض على أبي هاشم ، فيقال : في الجملة غير ممتنع أن يقال : إذا علم الله تعالى من حال العبد أنّه إذا فعل فيه العلم ببعض الأشياء فسده عبده ، أنّ ذلك قبيح (١) لا محالة وإن لم نجد له مثالا ، أو يمثل بتعريفه إيانا أعيان الصغائر ؛ لأنّه من أعظم المفاسد فيجب قبحه.
__________________
(١) ج : «يقبح».