وأجابوا : بأنّ العلم بالصفة يحتاج إلى العلم بالذات حتّى لا يمكن ثبوته مع زواله وما يحتاج إلى غيره لا يكون مانعا من انتفائه ، فإنّ الإرادة لمّا احتاجت إلى بنية القلب لم يصحّ كونها مانعة من زوال البنية بالتفريق. والوجه في التقرير : أنّ المحتاج معلول فعدمه مستند إلى عدم علته ، ويمكن أن يقال : لا يجب أن تكون العلة هنا تامة فجاز أن يستند عدمه إلى عدم غيره.
قالت المعتزلة (١) : من العلم ما هو واجب كالعلم بالله تعالى وصفاته ، وصدق رسوله ، وشرائعه. ومنه ما هو حسن لا كحسن المناجاة ، بل يختص بوجه زائد على حسنه فيكون مندوبا.
أمّا الواجب فوجه وجوبه كونه لطفا.
واختلف الشيخان (٢) في أنّه هل يقع في العلم ما هو قبيح أم لا؟ فمنع أبو هاشم منه وقال : إنّه كلّه حسن ، وكذا النظر ، وإنّما يعرض لهما القبح لا لنفسهما بل باعتبار القصد ، ولا يؤثر في حسنهما ، فإذا قصد بهما الشخص وجه قبح كان القبيح هو القصد لا العلم ولا النظر. وتبعه أبو الهذيل العلاف.
وقال أبو علي : إنّ العلم والنظر قبيحان إذا قصد بهما وجه قبح.
وأبو علي بنى ذلك على قوله : في أنّ قبح المسبب وحسنه تابعان للسبب ومعتبران به ، فلما قال بقبح هذا النظر حكم بقبح العلم المتولد عنه. وجوز أيضا أن يقع في العلوم ما يقبح لكونه مفسدة. فكأنّه قد رأى قبح العلم لهذين الوجهين. هذا مذهبه أخيرا ، وقد كان قديما ذكر في مقدمة التعديل والتجويز : أنّ العلم يحسن بعينه ، كما أنّ الجهل يقبح بعينه.
__________________
(١) وقد خصص القاضي عبد الجبار بابا في ما يجب أن يعلم ، عنوانه : باب في ذكر أقسام ما كلفنا من العلوم. راجع المحيط بالتكليف : ١٩.
(٢) هما محمد بن عبد الوهاب أبو علي الجبائي وابنه عبد السلام بن محمّد أبو هاشم الجبائي.