ومشايخ المعتزلة قسّموا العلم إلى ما يكون من فعلنا وهو الكسبي ، وحقيقته ما يمكن العالم به نفيه عن نفسه لشبهة إذا انفرد.
واحترزوا بالانفراد عن العلم الكسبي بشيء ثمّ يشاهد ، فإنّ النفي هنا محال حيث لم ينفرد ، بل انضم إليه المشاهدة.
وإلى ما يكون من فعله تعالى فينا وهو الضروري ، وهو ما لا يمكن العالم به نفيه عن نفسه لشبهة وإن انفرد. (١)
قالوا : وقد يصحّ العلم بالذات بصفتها ضرورة وكسبا ، وأن تعرف الذات بالضرورة ، والصفة بالكسب. واختلفوا في العكس فمنعه الجمهور منهم خلافا لقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد ، فإنّه جوز في شرح الجامع الصغير (٢) أن يكون العلم بالذات مكتسبا وبالحال ضرورة. والجمهور بنوا ذلك على قضيتين ، إحداهما : أنّه لا يجوز حصول العلم بالصفة مع الجهل بالذات. والثانية : أنّه لا يجوز ارتفاع العلم الضروري ، ويجوز رفع الكسبي.
وإذا تقررت المقدمتان فنقول : لو كان العلم بالذات مكتسبا والعلم بالحال ضروريا لصحّ نفي الكسبي بأن تدخل على أنفسنا شبهة فيزول عندها العلم بالذات ، فإن بقي العلم بالصفة مع الجهل بالذات ، فهو محال. وإن زال العلم بالحال وهو ضروري فقد زال الضروري، وهو محال.
واعترضوا أنفسهم بأنّهم منعوا من نفي الكسبي إذا لم ينفرد ، وجوزوه مع الانفراد فنقول: لم لا يجوز أن يكون العلم بالضروري بالصفة قائم مقام اقتران المشاهدة في النظري ، فمنع من زوال الكسبي كما منعت المشاهدة هناك؟
__________________
(١) شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار : ٤٨ ـ ٤٩.
(٢) لم نعثر على هذا الكتاب ولكن ذكره ابن المرتضى في طبقات المعتزلة ، الطبقة الحادية عشرة ، ص ١١٣.