القدح في الضروريات.
بيان ذلك في أربع عشرة مسألة :
الأولى : المعتزلة ادعوا ضرورية العلم بحسن الصدق النافع وقبح الكذب الضارّ ، والظلم ، وإيلام البريء عن الجرم من غير عوض. مع أنّ الأشعرية والفلاسفة نازعوهما (١) في ذلك ، واتّفقا على أنّ مثل هذه القضايا ليست أوّلية ، بل مشهورة وصحيحة في بعض الصور دون بعض.
الثانية : ادعى جماعة من المعتزلة العلم الضروري بأنّ العبد موجد لأفعاله (٢) ومخير بين الفعل والترك. والأشاعرة منعوا ذلك وادعوا ضرورية ما يقابل هذه الضرورة ، وهي أنّ فاعلية العبد للحركة يمنة دون الحركة يسرة أمر جائز ، فلا بدّ من استنادها إلى أمر واجب وهو إرادة الله تعالى. وزعموا أنّ استناد الجائز إلى الواجب أمر ضروري ، ومتى ثبت استناد هذه الفاعلية إلى إرادة واجبة لم يبق التمكن والاختيار.
الثالثة : ادّعت المعتزلة والفلاسفة العلم الضروري باستحالة رؤية الأعمى في ظلمة الليل بقة في الأندلس وهو بالصين ، مع أنّ البصير لا يرى في ضياء النهار الجبال العظيمة الحاضرة عنده. وادعوا أيضا العلم الضروري باستحالة رؤية ما لا يكون مقابلا ، ولا في حكم المقابل. وأنّ الأشعرية جوزوا ذلك وكذبوهم في دعوى الضرورة فضلا عن أن يعلم ذلك الامتناع بالضرورة. (٣)
الرابعة : جمهور العوام يضطرون إلى العلم ببقاء الألوان وسائر الأعراض (٤)
__________________
(١) كذا. راجع القول ونزاعه من الرازي في نقد المحصل : ٣٤٠.
(٢) راجع القاضي عبد الجبار في ابتداء فصل خلق الأفعال : «الكلام في أنّ أفعال العباد غير مخلوقة فيهم وأنّهم المحدثون لها». شرح الأصول الخمسة : ٣٢٣.
(٣) راجع نقد المحصل : ٣٢٢.
(٤) هذا الرأي منسوب إلى أبي الحسين البصري كما في نقد المحصل : ١٨١.