للألم واللذة والجوع والعطش ليس هو نفس الإنسان ، بل المدرك لها قوى جسمانية من توابع النفس الناطقة الإنسانية التي هي الإنسان بالحقيقة.
الثانية عشرة : اتّفق المتكلّمون على ادعاء العلم الضروري بأنّ الإنسان هو المبنى هذه البنية (١) المخصوصة ، والفلاسفة (٢) كذبوهم في هذه القضية ، وجعلوا حقيقة الإنسان شيئا غير متحيز ولا قائم به.
الثالثة عشرة : ادّعت الفلاسفة (٣) العلم الضروري باستحالة إعادة المعدوم ، وجمهور المتكلّمين جوزوا ذلك.
الرابعة عشرة : ادّعت الأشعرية العلم الضروري باستحالة كون الميّت ، بل المعدوم فاعلا. والمعتزلة جوزوا ذلك في المتولدات.
فثبت بهذه المسائل أنّ أرباب المذاهب يدّعون العلم الضروري بصحّة بعض القضايا ، مع أنّ خصومهم يكذبونهم فيها. وإنّما قلنا : إنّ ذلك يقدح في الضروريات والبديهيات ، لأنّ هذه القضايا التي ادّعي فيها أنّ صحّتها معلومة بالضرورة إمّا أن تكون في أنفسها ضرورية الصحّة أو لا. فإن كانت ضرورية فالمنكر لها منكر للضرورة مع أنّ ذلك المنكر يعتقد أنّه في ذلك الإنكار على الحقّ ، فقد اشتبه الضروري عليه بغيره ، وإن لم تكن ضرورية فالمعتقد لكونها ضرورية قد اشتبه عليه غير الضروري بالضروري ، وعلى كلا التقديرين الضروري مشتبه بغيره. وإذا كان كذلك لم يكن جزم الذهن مفيدا لكون المجزوم به ضروريا
__________________
(١) أي الأجزاء الأصلية من البدن التي لا يمكن أن تقوم الحياة بأقلّ منها ، لا الأجزاء التي تزيد وتنقص في الأحوال. نقد المحصل : ٣٧٩.
(٢) ومن المعتزلة معمّر ، ومنّا الإمام الغزالي. نفس المصدر.
(٣) والرازي ، حيث استحسن كلام ابن سينا وقال : «نعم ما قال الشيخ من أنّ كلّ من رجع إلى فطرته السليمة ورفض عن نفسه الميل والعصبية شهد عقله الصريح بأنّ إعادة المعدوم ممتنع قطعا». المباحث المشرقية ١ : ١٣٨.