وهذا المحال إنّما لزم على تقدير اشتراك العقلاء بأسرهم في الضروريات فيكون منتفيا ، فلا تكون الضروريات بأسرها حاصلة للكل. فإذا كانت العلوم التي يدعون كونها ضرورية ، قد تكون حاصلة وقد لا تكون ، ومتى لم تكن حاصلة فإنّها لا تحصل إلّا بالكسب والطلب ، ولا معنى للعلم النظري إلّا ذلك ، فحينئذ تصير العلوم الضرورية نظرية ، فيلزم افتقارها إلى علوم أخر سابقة عليها لا إلى نهاية ، وذلك محال.
والجواب : أنّ حصول النتائج من الضروريات واجب لا ضروري ، بل نظري ، ولا يجب الاشتراك لتعلقه بالترتيب الذي لا يجب دوام صحّته ، ولعدم الغفلة فإنّ مع حصولها قد يثبت النظر فلا يجب الإنتاج ، وإذا كانت العلوم ضرورية ، لم يجب اشتراكها بين كلّ العقلاء؛ لأنّها قد تستند إلى الإحساس الظاهر أو الباطن ، والإحساس غير مشترك بين الناس.
وبالجملة الطعن في النظريات لا يستلزم الطعن في الضروريات.
الوجه الثالث
قالوا : العلوم الضرورية إمّا أن يكفي في حصولها مجرّد الفطرة الإنسانية أو لا ، فإن كفت لزم حصول هذه العلوم للإنسان من ابتداء وجوده ، فيلزم أن يكون الجنين عالما بالضروريات كلّها ، وهو باطل بالضرورة. وإن لم يكف فلا بدّ من طريق آخر يكون كاسبا لهذه العلوم ، فلا تكون هذه العلوم بديهية ، بل كسبية.
لا يقال : إنّما يلزم أن تكون هذه العلوم كسبية لو استفيدت من الدليل أمّا إذا لم تستفد من الدليل فلا.
ولا يلزم من انتفاء هذه العلوم عن الأطفال كونها غير بديهية ، فإنّ العلوم البديهية تتوقف على شروط واستعدادات للنفس كاستقراء المحسوسات ، فإنّ الإنسان إذا أحسّ بأُمور جزئية تنبّه حينئذ لمشاركات بينها وبين غيرها ، فإنّ الطفل