وذهب الأكثر إلى أنّه ظاهر في الحكم الشرعي ، لأنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم إنما بعث ليعرّف الأحكام الّتي لا تعرف إلّا من جهته ، فوجب حمل لفظه عليه ، لما فيه من مواقعة مقصود البعثة.
وهذا هو الحقّ ، لأنّ الواضع إنّما قصد بوضعه حمل اللّفظ إذا سمع منه أو ممّن يتحدّث ، على لغته على ما وضعه له ، والتقدير أنّ اللّفظ هنا له عرف شرعيّ ، فيجب حمل كلامه عليه ، تحصيلا لغرضه من الوضع ، كما يحمل اللّفظ العرفي على المتعارف ، لا على الوضع اللّغويّ.
لا يقال : حمل اللّفظ على الحكم الشرعيّ مخالف للنفي الأصليّ ، بخلاف الحمل على الموضوع الأصليّ.
لأنّا نقول : حمله على اللّغوي يفيد التأكيد بتعريف ما هو معروف لنا ، وحمله على الحكم الشرعيّ يفيد التأسيس ، ويفيد ما ليس معروفا لنا ، ولا شكّ أنّ التأسيس أولى.
الثالث : إذا ورد لفظ وضعه أهل اللّغة في معنى ، والشارع في آخر ، قال القاضي أبو بكر (١) تفريعا على القول بالأسماء الشرعيّة ، لأنّه ينكرها : إنّه مجمل.
وقال الغزّالي (٢) : إن ورد في الإثبات حمل على الشرعيّ ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم لعائشة : «أعندك شيء؟ فقالت : لا ، فقال : إنّي إذن أصوم» (٣) إن حمل على
__________________
(١) نقله عنه الآمدي في الإحكام : ٣ / ١٦ ؛ والغزّالي في المستصفى : ٢ / ٣٤.
(٢) المستصفى : ٢ / ٣٥.
(٣) سنن البيهقي : ٤ / ٢٠٣ و ٢٧٥.