فيقال : أيّهما قصد به البيان؟ فنقول : إن لم يتنافيا فالمتقدّم هو البيان ، والمتأخّر مؤكّد لحصول التعريف بالأوّل ، فلا حاجة إلى البيان ، إلّا أن يكون الثاني دون الأوّل في الدّلالة ، لاستحالة تأكيد الشّيء بما هو دونه في الدلالة.
وإن لم يعلم المتقدّم ، حكم على الجملة أنّ أحدهما بيان والآخر مؤكّد.
وإن لم يعلم مفصّلا ، إن تساويا في الدلالة وإن كان أحدهما أرجح على حسب اختلاف الوقائع والأقوال ، فالأشبه أنّ المرجوح هو المتقدّم ، ليقع التأكيد بالراجح ، وإلّا لكان الثاني غير مفيد البتة : إمّا للبيان ، فلوقوعه بالأوّل ، وإمّا للتأكيد فلامتناعه بالأدون.
وإن تنافيا ، كقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : «من قرن الحجّ إلى العمرة فليطف لهما طوافا واحدا» (١) مع ما روي عنه صلىاللهعليهوآلهوسلم أنّه قرن ، وطاف طوافين ، وسعى سعيين ، (٢) فإن تقدّم أحدهما كان هو البيان ، لأنّ الخطاب المجمل إذا تعقّبه ما يجوز أن يكون بيانا له كان بيانا ، فإن كان هو القول ، كان الطواف الثاني غير واجب ، وإن كان هو الفعل كان واجبا. (٣)
وقيل (٤) : إن كان القول متقدّما ، فالثاني غير واجب ، وفعل النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم يحمل على الندب ، وإلّا لكان ناسخا لما دلّ عليه القول ، والجمع أولى من التعطيل.
__________________
(١) مسند أحمد بن حنبل : ٢ / ٦٧.
(٢) سنن الدارقطني : ٢ / ٢٦٣ برقم ١٣٠.
(٣) المعتمد : ١ / ٣١٢ ـ ٣١٣.
(٤) القائل هو الآمدي في الإحكام : ٣ / ٢٠.