وأمّا الاشاعرة ، فقال أكثرهم وجماعة من المعتزلة : إنّه لا يمتنع عليهم المعصية كبيرة كانت أو صغيرة ، بل ولا يمتنع عقلا إرسال من أسلم عن كفر (١) ، لانتفاء دليل سمعيّ على عصمتهم عن ذلك ، ودليل العقل مبنيّ على التحسين والتقبيح ، ووجوب رعاية الحكمة في أفعاله تعالى.
وأمّا بعد النبوّة ، فعند الإماميّة أنّهم معصومون عن كلّ ذنب صغير أو كبير ، وقع عن عمد ، أو سهو ، أو تأويل ، لوجوب ذلك قبلها ، فبعدها أولى.
وأمّا الجمهور فقد اختلفوا ، وحاصل الاختلاف يرجع إلى أقسام أربعة :
الأوّل : ما يقع في باب الاعتقاد ، وقد اتّفقوا على أنّه لا يجوز منهم الكفر إلّا الفضليّة (٢) من الخوارج ، فإنّهم قالوا : قد وقع منهم ذنوب ، وكلّ ذنب عندهم كفر وشرك ، وأمّا الاعتقاد الخطأ الّذي لا يبلغ الكفر كاعتقاد عدم بقاء الأعراض ، فمنهم من منعه ، لكونه منفّرا ومنهم من جوّزه.
الثاني : ما يرجع إلى التبليغ ، واتّفقوا على امتناع التغيير عليهم ، وإلّا لزال الوثوق بما يقولونه ، وجوّز بعضهم ذلك على جهة السّهو لا العمد.
الثالث : ما يتعلّق بالفتوى ، واتّفقوا على امتناع الخطأ فيه ، وجوّزه قوم على سبيل السهو.
__________________
(١) لاحظ الإحكام للآمدي : ١ / ١١٩.
(٢) هم فرقة من الخوارج ، أتباع فضل بن عبد الله ، ومن عقائدهم : انّ من قال : لا إله الّا الله محمد رسول الله بلسانه ولم يعتقد ذلك بقلبه بل اعتقد الدهرية أو اليهودية أو النصرانيّة ، فهو مسلم عند الله مؤمن ، ولا يضرّه إذا قال الحق بلسانه ما اعتقد بقلبه. لاحظ معجم الفرق الإسلامية : ١٨٦.