وأمّا الثاني ، فلأنّ التنفير إن حصل بالمفارقة في فعل واحد ، لزم التنفر بما فارقناه من المناكح ، ووجوب صلاة الليل ، وغير ذلك من خصائصه صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وإن حصل بالمفارقة في جميع الأفعال ، فهو باطل ، لانّه لو قال صلىاللهعليهوآلهوسلم : «إنّي متعبّد بما في العقل ، وبأداء ما أؤدّيه إليكم ، وما عدا ذلك مصلحة لكم دوني» لم يكن في ذلك تنفير ، فكذا ما ذكرناه.
على أنّه لو ثبت ذلك ، لم يحصل منه كوننا متعبّدين بمثل ما فعله من جهة العقل ، لأنّ الّذي يقبح هو مفارقته في الجميع ، لا في البعض ، فلا بدّ من دليل غير العقل يميّز لنا بين ما تعبّدنا به من أفعاله ، ممّا لم نتعبّد به.
لا يقال : لو لم يلزم الرجوع إلى أفعاله من جهة العقل لم يلزم الرجوع إلى أقواله ، ولأنّا لو لم نتّبعه في أفعاله ، كنّا قد خالفناه ، ولا يجوز مخالفته صلىاللهعليهوآلهوسلم.
لأنّا نقول : الفرق ظاهر بين الأقوال ، والأفعال ، فإنّ الأقوال موضوعة في اللّغة لمعانيها ، من الأمر ، والنهي ، والخبر والحكمة تقتضي أنّ من خاطب قوما بلغتهم يعني بالخطاب ما عنوه ، وهذه [الطريقة] ليست ثابتة في الأفعال ، ولو كنّا متعبّدين بالرجوع إلى أفعاله ، لكان الوجه ما تقدّم من الأمرين.
ومخالفته هي أن لا نفعل ما أوجبه علينا ، أو أن نفعل ما حرّمه ، ونحن نمنع دلالة أفعاله على الإيجاب علينا ، ولا يوصف بكوننا مخالفين له صلىاللهعليهوآلهوسلم فيما اختصّ به من العبادات وغيرها.
وأمّا انتفاء الدلالة السّمعيّة إلّا مع علم الوجه فلما تقدّم في المبحث الرابع.
واعلم أنّ جماعة استدلّوا على أنّ أفعاله ليست على الوجوب بوجوه :