وفيه نظر ، فإنّ التقدير : أنّه أباح ، والإباحة وإن كانت هي الأصل ، إلّا أنّه لا ينافي حكم الشارع بها ، فرفعها يكون نسخا.
واحتجّ منكرو النسخ عقلا : بأنّ الفعل إن كان حسنا ، قبح النّهي عنه ، وإن كان ، قبيحا قبح الأمر به.
والجواب ما تقدّم ، من جواز كون الفعل مصلحة في وقت ، ومفسدة في آخر ، فيأمر به في وقت علمه بكونه مصلحة فيه ، وينهى عنه في وقت كونه مفسدة فيه ، كما أنّه تعالى يعلم أنّ مرض زيد أو فقره مصلحة له في وقت فيفعل ذلك به ، وأنّ عافيته وغناه مصلحة في آخر ، فيفعل به ذلك.
واحتج منكروه شرعا بوجوه :
الأوّل : لمّا بيّن [الله] شرع موسى عليهالسلام ، فإمّا أن يكون قد دلّ على دوامه أو لا.
فإن كان الأوّل ، فإمّا أن يضمّ إليه ما يدلّ على أنّه سينسخه أو لا ، والأوّل باطل :
إمّا أوّلا ، فللتنافي بين التنصيص على الدوام وعلى عدمه.
وإمّا ثانيا ، فلأنّه لو كان ، لنقل متواترا ، كما نقل شرعه ، لأنّه كيفيّة فيه ، وإذا نقل الأصل وجب نقل الكيفيّة ، وإلّا لجاز في شرعنا أن ينقل أصله دون نقل كيفيّة وردت ، وحينئذ ينتفي طريق القطع بدوام شرعنا ، وهو محال.
ولأنّه من الوقائع العظيمة الّتي تتوفّر الدّواعي على نقلها ، لما فيها من التخفيف بسقوط التكليف.