في مفهوم هذه الآية ، لأنّ حركة كل من الأرض والشمس ليست نوعاً واحداً.
وتعبير «يُسبِّحون» تَعبيرٌ لطيفٌ حيث يعبّر عن حركة الشمس والقمر السريعة والرقيقة والمتوازنة في نفس الوقت.
وذكر في الآيات أعلاه منازل معينة للقمر حيث قال : (وَالقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنازِلَ).
والمقصود تلك المنازل الثمانية والعشرون التي يطويها القمر كل شهر منذ بداية مرحلة الهلال وحتى المحاق (الظلام المطلق) ، وفي الليلة الثامنة والعشرين يظهر ثانيةً على هيئة هلالٍ أصفر رفيع جدّاً وقليل الاشعاع والنور ويبقى ليلتين حيث يقال له (محاق) إذ تتعذر رؤيتُه.
ويشبِّهُ القرآنُ الكريمُ هلال آخر الشهر بـ (العُرجُونِ القَدَيِم) (١) ، وهذا التعبيرُ لطيفٌ وجذّاب للغاية من عدة وجوه.
ونختتم هذا البحث الذي قد طال بعض الشيء بذكر هاتين المسألتين :
أولاً : إنّ المقصود من الفلك في الآيات المذكورة هو المعنى اللغوي وليس المعنى الذي يقصده علماء الفلك في قديم الزمان ، لأنّ الفلك في اللغة يعني مدار النجوم ، وأحياناً يقال لكل موجود يشبه الدائرة ويكون عالياً من أطرافه.
ويعتَقد «الراغب» أنّها في الأصل من مادة «فُلْك» (على وزن قُفْل) والتي تعني «السُفن» ، لأنَّ السفن لها حركات دائرية أثناء مسيرها في البحار.
ولكنَّ المنجمين القدامى سلكوا نهج بطليموس إذ كانوا يعتقدون أنّ السماء تتألف من تسعِ طبقاتٍ مركبة بعضها فوق بعض كقشرة البصل ، ولأنَّ هذه الطبقات تتكون من مادةٍ شفّافةٍ كالبلّور فقد التَصَقت النجوم والكواكب في وسطها وتدور مع دوران الافلاك فيظهرُ دوران النجوم فقط ، ولا يظهرُ شيءٌ من دوران الأفلاك ، وقد بَطُلَ هذا الاعتقاد بنحوٍ كاملٍ اليوم ، واصبح من المسلَّم به أنّ النجوم معلقةٌ في فضاءٍ غير محدودٍ وتتحرك تحت تأثير
__________________
(١) «العرجون» من مادة «انعراج» أي الاعوجاج والانحناء ، ويصفه البعض بذلك القسم من القرن المقوَّس الذي يتبقى على النخل بعد قطف التمر ، و «القديم» تعني العتيق.