وفي الآيات الثالثة والرابعة والخامسة عُبِّر عن الجبال بـ «الرواسي» حيث يقول : (وَجَعَلَ فِيْهَا رَوَاسِىَ وَأَنْهَاراً).
ويقول في مكان آخر : (وَأَلْقىَ فِى الأَرضِ رَوَاسِىَ أَنْ تَمِيْدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلاً لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُوْن).
ويشاهد هذا المعنى في الآية الخامسة أيضاً.
ويستفادُ من مجموع هذه الآيات أنّ أحَد أهم فوائد الجبال هو منع الحركات غير الطبيعية والزلازل الأرضية.
و «تَميدُ» : من مادة (مَيْد) (على وزن صَيْدْ) أي إهتزاز الأشياء الضخمة ، وقال البعض إنّها الحركة المتزامنة مع التمايل يميناً وشمالاً ، كحركة السفن الخالية بسبب أمواج البحر ، ولهذا يقال «مَيْدان» أثناء المسابقات أو الحروب.
وقد تحدثنا في شرح الآيات السابقة عن تأثير الجبال في منع حركات قشرة الأرض أثر الضغط الداخلي ، وجاذبية المد والجزر للشمس والقمر ، والاضطرابات الناتجة عن السيول المستمرة ، ولا حاجة إلى التكرار.
ويُفهم من هذه الآيات بصورة عامة أيضاً ، أنَّ لتكوين الأنهار علاقةً بوجود الجبال ، وهو الصحيح ، فالأنهار الكبيرة التي تجري على مدى السنة وتسقي الأراضي اليابسة هي من بركة المياه التي تجمعت في أعماق الجبال أو قممها على هيئة جليدٍ أو ثلج ، ولهذا تُعتبر الجبال العملاقة في العالم ينابيع لأنهار العالم العظيمة. وربّما يحدث لدى البعض شبهة في كون وجود الجبال يكون حائلاً في عزل الأراضي عن بعضها وسبباً في غلق طرق العبور والمرور ، لكن الآيات الواردة أعلاه صرحت بأنّ الله سبحانه وتعالى جعل طرقاً واودية يسلكها الناس ليهتدوا إلى بلوغ مقاصدهم ونيل مآربهم.
وهذه نقطة ظريفة جدّاً حيث توجد على الدوام في أعماق الجبال العظيمة الشاهقة ممرات وطرقٌ يستطيع الناس من خلالها المرور والعبور ، أي أنّها في ذات الوقت الذي تشكلُ سداً قوياً أمام العواصف والأعاصير ، فهي لا تمنع عبور ومرور الناس ، ونادراً ما تقوم هذه الجبال بعزلِ أجزاءٍ من الأرض بشكل كامل.