والحقيقة أنّ الإنسان لا يعرف قَدْرَ النعمةِ إلّاإذا سُلبت منه ، فلو توقفت هذه الرياح والنسمات يوماً واحداً لأصبح العيش في أجملِ البساتين والمزارع اسوأ من العيش في مطامير السجون المظلمة ، ولو هبَّت نسمةٌ على طامورةٍ انفراديةٍ فهي تضفي عليها صبغة الفضاء الطلق. ولو توقَّفَت الرياح فوق سطح المحيطات ، وتوقّفت الامواج ، فانَّ حياة الكثير من الاحياء المائية تتعرض إلى الخطر بسبب نقص الاوكسجين ، وتتبدَّل البحارُ إلى مستنقعات متعفنة رهيبة.
* * *
واهتَّم في الآية الثالثة بهذا الأمر أيضاً مع هذا التفاوت وهو اعتبار الرياحَ مقدمة لرحمته ، ووصفَ الغيوم بـ «الثِّقال» أي (الأحمال الثقيلة ، جمع ثقيل) لانَّ الغيوم الممطرة اثقل من بقية الغيوم ، وتكون قَريبة من الأرض ، لذلك عبَّر عنها القرآن الكريم بـ «الثِّقال».
و «اقلَّت» : من مادة «إقْلالْ» وتعني حملُ شيءٍ يكون خفيفاً بالنسبة لقدرة الحامل ، فهو يعتبره قليلاً ولا قيمة له ، إنّ وجود هذا التعبير في الآية أعلاه يبرهنُ على أنّ الغيوم الثقيلة التي قد تحملُ معها ملايين الاطنان من المياه لا تُحمّلُ الرياح ثقلاً كبيراً ، وهذا عرضٌ لقدرة الله تعالى.
* * *
وقد أشارت الآية الرابعة إلى أنّ ارسالَ الرياحِ لأداء هذا الدور العظيم هو أحد آثار عظمة الذات الإلهيّة المقدَّسة ، إذ يُحيي الأراضي الميتة بواسطة هذه الرياح.
والجدير بالذكر هنا هو أنّ الآية استعملت كلمة «تثير» أي أنّ الرياح تُثير السُحبَ ، وقد يكون هذا التعبير إشارة إلى تكوُّنِ الغيوم بسبب هبوب رياح المناطق الحارّة على سطح المحيطات حيث تؤدّي إلى تكاثف الغيوم ، لأنَّ مسألة حركة الغيوم اخِذَتْ بالاعتبار في