ويستند في نهاية الآية على هذين الموضوعين كوثيقةٍ لإثبات وحدانية الله تعالى ، ويخاطب المشركين : (أَإِلهٌ مَعَ الله تَعَالى اللهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) ، ولعلَّ ذكرُ هاتين الهِبَتين معاً إشارةٌ إلى هذا المعنى وهو عندما يكون الجو صافياً يمكن الاستفادة من النجوم ليلاً في الإهتداء إلى الطريق للوصول إلى الهدف ، وإذا كان الجو غائماً فثمة رحمة أخرى وهي المطر ينالها الإنسان ، إذنْ ففي كلا الحالتين هناك موهبة ورحمةٌ ، وهو برهانٌ لمعرفة الذات الإلهيّة المقدّسة.
* * *
وفي الآية الثامنة إشارة إلى مسألة الرياح ونزول الأمطار بتعبيرٍ جديد ، فيقول : (وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَواقِحَ).
هل أنّ المقصود من الآية الكريمة هو حمل حبوب اللقاح بواسطة الرياح لتلقيح النباتات التي ستحمل الفواكه والثمار من بعد ذلك ، أم المقصود هو تلقيح السحاب لكي يحمل المطر؟
وبالنظر لقوله في تكملة الآية : (فَأَنْزَلنَا مِنَ السَّماءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ) ، فيظهر أنّ المعنى الثاني أكثر تناسباً ، بالرغم من إمكانية الاستفادة من المعنيين معاً.
على أيّة حال ، فانَّ التعبير أعلاه تعبيرٌ لطيفٌ جدّاً حيث شَبَّه قِطعَ الغيوم بالامهات والآباء ، فتتلاقح هذه الغيوم عن طريق الرياح ثم تحملُ ، وتضعُ جنينها أي قطرات الأمطار على الأرض!
ويشيرُ في ختام الآية إلى المياه الجوفية المخزونة تحت الأرض ، والتي هي من الذخائر الإلهيّة للناس ، فيقول : (وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخازِنِينَ).
فنحن الذين أمرنا طبقات الأرض أن تحتفظ بمياه الأمطار الصافية في داخلها ، وقد تكون الآبار والقنوات التي تستخدمونها اليوم هي من احتياطي المياه التي ذُخرت لكم منذ ملايين السنين في باطن الأرض ، من غير أنْ تَتلوث أو تتعفن.