وقد أُشير في الآية العاشرة إلى نكتةٍ جديدة اخرى ، فيقول : (وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِراتِ مَاءً ثَجَّاجاً).
و «مُعْصِرات» : جمعُ «مُعْصِر» من مادة «عَصْر» وتعني الضغط ، والمُعصرات تعني الضاغطات ، وما هو المقصود هنا بهذا التعبير؟ لقد ذكروا تفاسير متعددة : فالبعض اتخذها صفةً للغيوم ، إذ اعتبرها إشارة إلى نظامٍ خاص يتحكم بها عندما تتراكم على بعضها ، فكأنّما تعصِر نفسها كي تجري الأمطار منها ، واعتبر هذا التعبير من المعاجز العلمية للقرآن الكريم (١).
إلّا أنّ البعض الآخر اتخذها صفةً للرياح ، واعتبرها إشارة إلى العواصف الرملية والأعاصير الشديدة والزوابع الترابية ، حيث لها تأثيرٌ عميق في تكوين الأمطار والرعد والبرق (علماً أنّ «الإعصار» يعني ريح ترتفع بالتراب أو بمياه البحار).
فيقول هؤلاء .. أثناء هبوب العواصف الرملية الشديدة على سطح البحار والمحيطات فانّها تحمل معها البخار من على سطح المحيط ، وحينما تصل به إلى نقاط الجو العليا الباردة جدّاً ، وحيث تكون قدرة إشباع البخار هناك ضعيفة ، يحصل الرعد والبرق الشديد ، وبما أنّ «ثجّاجاً» صيغة للمبالغة ، وهي من مادة «ثَجَ» على وزن «حّجَّ» وتعني سكب الماء تتابعاً وبكثرة فهي تتناسب كثيراً مع مثل هذا الرعد والبرق (٢).
واعتبرها البعض إشارة إلى الغيوم التي تتزامن مع العواصف الرملية والأعاصير (٣) ، فهذه العواصف تسوق الغيوم نحو الأعلى ، وتأخذها نحو مناطق الجو الباردة حيث تتبدّل هناك إلى قطرات من الماء ، وبما أنّ هذا العمل يتمّ سريعاً فهو يولد زوابع رعدية شديدةٍ و «الماء الثجّاج» ، ونلاحظ كثرة مثل هذه الزوابع الرعدية في فصل الربيع ولعله بسبب كثرة حالات الزوابع الرعدية والعواصف في هذا الفصل.
__________________
(١) راجِع كتاب الريح والمطر ، ص ١٢٦.
(٢) اعجاز القرآن في نظر العلوم المعاصرة ، ص ٦٧.
(٣) التفسير الكبير ، ج ٣١ ، ص ٨ إذ ذكر هذا المعنى كأحدِ التفاسير لهذه الآية.