إنَّ عبارة (ما عَمِلَتْهُ أَيْديهِم) إشارة لطيفةٌ إلى أنَّ هذه الثمار الطازجة ، غذاءٌ كاملٌ مهيأٌ للأكل دون الحاجةِ إلى طبخهِ وإضافة المواد الاخرى إليه ، فليس للإنسان تدخلٌ في أصل وجودها ، ولا في اعدادها للأكل ، فعملُ الإنسان لا يتعدى نثرُ البذور وسقي الأشجار فحسب (١).
على أيّةِ حالٍ ، لم يكن الهدف من خلق كل هذه النِّعم المختلفة انهماك الإنسان بالأكل كالحيوانات ، وأنْ يقضي عمره على هذه الحال ، ثم يموت ويصبح تراباً ، كلا ، فالهدف ليس هذا ، بل إنّ الهدف هو أن يرى ذلك ويعيش في ذاته الشعور بالشكر ، ومن خلال «شُكر المنعم» يصل إلى معرفة واهب النِّعم حيث ينالُ اسمى المواهب وأرفع مراحل تكامل الإنسان.
والمسألة الجديرة بالاهتمام في الآيات أعلاه هي انّها تضع الزوجية في عالم النباتات إلى جانب الزوجية في عالم الإنسان فتقول : (سُبْحَانَ الَّذِى خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ انْفُسِهِمْ ومِمَّا لَايَعْلَمُونَ).
فهذا التعبير دليلٌ على أنَّ الزوجيةَ هنا تعني جنس الذكر والانثى ، ووجودها على نطاقٍ واسعٍ في عالم النباتات ، وهذا من المعاجز العلمية للقرآن الكريم ، لأنَّ هذا المعنى لم يكن آنذاك واضحاً لدى الإنسان بأنَّ هنالك وجودٌ لقوامِ الذكر والاجزاء الانثوية في عالم النباتات ، وتنطلقُ الخلايا التي هي نُطَفُ الذكور لتستقر في الأجزاء الانثوية وتتَلاقَح معها وتنعقد نطفةُ النبات.
ويمكن أن تكون عبارة (ومِمَّا لا يَعلَموُن) إشارة إلى أنَّ مسألة الزوجية لها نطاق واسع ، وما أكثر الموجودات التي تجهلون وجود الزوجية فيها ، وسيزيل تطورُ العلم النقاب عنها (كما ثبتت هذه المسألة في الذّرات حيث تتركب من قسمين مختلفين يكمِّلُ أحدُهما الآخر
__________________
(١) وهذا في حالةِ كون «ما» في عبارة (وما عملتهُ) نافيةً (وهذا هو الظاهر) ، إلّاأنّهم احتملوا أن تكون موصولةً ، تلميحاً إلى الثمار التي تنتج عن طريق التطعيم والتي للإنسان دَخَلٌ فيها ، أو إلى المشتقات التي يأخذونها من الفاكهة كالعصير والخل التي تؤخذ من العنب والتمر ، وممّا لا شك فيه أنَّ المعنى الأول أكثرُ تناسباً.