ومن الممكن أن يكون هذا التفاوت إشارة إلى تفاوت الأغصان التي تَنمو على أصل واحدٍ ، وتتفاوت من حيث الثمار الطبيعية.
ثم يُصرِّحُ بانَّ هذه الأشجار مع هذا الاختلاف فانّها تُسقى بماءٍ واحدٍ : (يُسْقَى بِماءٍ واحِدٍ) ، وفي نفس الوقت فانّنا نُفضِّلُ بعضها على البعض الآخر من حيث الثمر (ونُفَضِّلُ بَعضَها عَلى بَعْضٍ فى الأُكُلِ).
ومن المسلَّم به أنَّ في هذا الأمر آيات وبراهين للمتفكرين (إِنَّ فِى ذَلِكَ لَآياتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ).
حقاً إنَّهُ مدهشٌ ، فالماء واحدٌ ، والترابُ واحدٌ أيضاً ، أمّا الاختلاف بين الثمار فكثير بحيث إنَّ أحدها حلوٌ والآخرُ حامضٌ تماماً (ففي الكثير من المناطق تنمو أشجار الليمون الحامض إلى جانب أشجار النخيل) أو تنمو المحاصيل الزيتية والمحاصيل النشوية وغيرها في مزرعةٍ واحدةٍ ، وتتفاوت تماماً ، حتى أنَّ لهذه الفواكه والمحاصيل أنواعاً مختلفةً بالكامل.
ما هذا الجهاز العجيب المكنون في أغصان الأشجار وجذورها الذي لديه القدرة على صنع المواد الكيميائية مختلفة الخواص من خلال استغلال نوعٍ واحدٍ من المواد (نوعٌ واحد من الماء والتراب)؟! فلو لم يكن هنالك دليلٌ على علم وحكمةِ خالق الكون سوى هذه المسألة لكانت كافية لمعرفة هذا الخالق العظيم ، وكما يقول أحد شعراء العرب (١) :
والأرضُ فيها عبرةٌ للمُعتَبر |
|
تُخبرُ عن صُنعِ مليكٍ مقتدر |
تُسقى بماءٍ واحدٍ أشجارُها |
|
وبقعةٌ واحدةٌ قرارها |
والشمسُ والهواء ليس يختلف |
|
واكُلُها مختلفُ لا يأتلف |
فما الذي أوجَبَ ذا التفاضلا |
|
إلّا حكيمٌ لَم يَرِدْهُ باطلا |
* * *
__________________
(١) تفسير روح المعاني ، ج ١٣ ، ص ٩٣.