ويشير في الآية التاسعة إلى موضوعٍ آخر من عجائب عالم النباتات والأشجار ، فيقول بعد ذكر مسألة بسط الأرض وتكوّن الجبال : (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَىءٍ مَوْزُونٍ).
بالرغم من أنَ «موزون» من مادة «وزن» ، إلّاأنّها هنا إشارة إلى النظام الدقيق والمحدَّد ، والتقديرات المتلائمة والمتناسقة التي تحكم جميع ذرات النباتات ، إضافة إلى أنّ «وزن» كما أوردها الراغب في المفردات تعني في الأصل معرفة قَدرِ الشيء.
وقال بعض المفسِّرين أيضاً إنَّ المُرادَ من هذا التعبير هو أنَّ الله خلقَ من كلِّ نباتٍ بقَدْر حاجة الإنسان (١).
كما قالوا إنَّ المراد من «موزون» هو وجوب تظافر كميات محدّدة من الماء والهواء والتراب وضوء الشمس كي تنمو النباتات.
واحتملَ بعض المفسرين أنّ التعبير ب «كلِّ شيء» يشتمل على المعادن أيضاً ، ولكن من خلال الفَهم بأنّ عبارة «أنبتنا» لا تتناسب كثيراً مع المعادن ، فانَّ هذا التفسير يبدو بعيداً ، وأنَّ الجمعَ بينَ التفسيرين ممكنٌ ، وورد في بعض الروايات إشارة إلى التفسير الثاني أيضاً (٢). ويردفها الإشارة إلى توفير الوسائل المعاشية والحياتية للناس ولحيواناتهم ولاولئك الذين يرتزقون على مائدة الخالق الواسعة فيقول : (وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ وَمَنْ لَسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ).
«معايش» : جمع «معيشة» ولها معنىً واسعٌ جدّاً ، فتشمل كلَّ شيءٍ يعدّ من وسائل حياة الناس ، وجملةُ (ومَنْ لَّسْتُمْ لَهُ بِرَازِقِيْنَ) إشارة إلى الحيوانات والكائنات الحيّة التي ليس بمقدور الإنسان أن يُطعمها ، فوضع الباري تعالى الطعامَ المناسب لكلٍّ منها في اختيارها على أساس النظام الخاص الذي يسود العالم ، ولو فتحنا أعيننا وتأملنا طريقة تغذية أنواع الحيوانات من النباتات ، لوجدنا فيه عالَماً من أدلة معرفة الله.
__________________
(١) ذكرالفخر الرازي هذا في تفسيره كاحتمالٍ أولٍ ، والتفسير الثاني كثالت احتمال ، (التفسير الكبير ، ج ١٩ ، ص ١٧١).
(٢) تفسير نور الثقلين ، ج ٣ ، ص ٦ ، أشار الإمام علي عليهالسلام في هذه الرواية إلى المعادن المختلفة التي أوْجَدَها الله في الجبال وتباعُ وتَشترى بالوزن.