لابدَّ أنْ تمُرَّ الكثير من المواد الغذائية خلال الامعاء هنا حيث يتجلّى مفهوم : (مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ).
وقد قيلَ الكثير حول تركيب اللبن وكيفية تكوينه في الأثداء ، وأنواع المواد الأولية والفيتامينات الموجودة فيه ، ومزاياه التي تمنح الطاقة ، والمستخرجات المتعددة التي تُنتجُ منه ، وفائدته لكلِّ الأعمار ، بحيث لو جُمعَتْ لألَّفَتْ كتاباً مُعتَبراً ، يُخرِجُنا التطرق إليه عن اطار البحث التفسيري.
ونكتفي هنا بذكر روايةٍ مليئةٍ بالمعاني عن النبي صلىاللهعليهوآله حيث يقول : (إذا أكَلَ أحَدُكُمُ طعاماً فَلْيَقُلْ اللهُمَّ بارِكْ لَنَا فيهِ ، وأطْعمنا خيراً مِنْهُ ، وإذا شَرِبَ لَبَناً فَلْيَقُل أللهُمَ بارِكْ لَنَا فيهِ ، وَزِدْنا مِنهُ ، فَانّي لا أَعْلَمُ شَيئاً أنْفَعُ في الطّعامِ والشَّرابِ مِنْهُ) (١).
ثم يتطرق إلى الفائدة الثانية للحيوانات ذوات الأربع ، فيقول في جملةٍ قصيرةٍ وغامضةٍ : (وَلَكُمْ فِيْهَا مَنافِعُ كَثِيْرَةٌ).
وهذا التعبير يُمكنُ أنْ يكون إشارة إلى الصوف والوبر والشَعَر في الحيوانات والتي يُصنعُ منها أنواع الملابس والفرش باستمرار ، وكذلك إشارة إلى الجلود والامعاء والعظام والقرون التي تُصنعُ منها وسائل الحياة المختلفة ، وحتى فضلاتها يمكن استخدامها كأسمدة في تنمية الأشجار وتنشيط الزراعة والنباتات.
وفي المرحلة الثالثة أشار إلى فائدة اخرى قائلاً : (وَمِنْهَا تَأكُلُونَ).
مع ما ذكره خبراء الغذاء من كل أضرار اللحم ، وبالرغم من المؤاخذات الواردة على آكلي اللحوم في العالم من الناحية الطبية والاخلاقية وغيرها ، فأنَّ الكثير يعتقدون أنَّ استهلاك اللحم بكميةٍ قليلةٍ ليس غير مضر فحسب بل وأنَّهُ ضروريٌّ بالنسبة لجسم الإنسان ، وتبرهنُ تجارب الذين يعيشون على النباتات بأنَّهم مصابون بالاضطرابات والنواقص وتؤيدُ وجوهُهُم الصفراء ذلك ، وهذا يعود إلى أنَّ البروتين وبعض العناصر الأساسية الموجودة في اللحم لا يمكن الحصول عليها في أيَّ نباتٍ أبداً ، والأهميّة التي
__________________
(١) تفسير روح البيان ، ج ٥ ، ص ٤٨.