ولكن ممّا لا شك فيه أنّ هذه الأقوال هي مصاديق للمفهوم الكلي للآية ولا تشمل كل مفهوم الآية ، المفهوم الأصلي للآية هو أحد المفهومين المُشار إليهما.
وعلى أيّة حال فالتعقيد الذي يحيط بقضية الحياة والموت من الدرجة بحيث أنّ العلماء لا يزالون عاجزين عن فهم أسراره ، فإذا كان فهم أسرار إحدى الظواهر يحتاج إلى كل هذا العقل والتفكير والذكاء ، فهل يمكن إيجاد هذه الظاهرة بدون الحاجة إلى أي عقل وذكاء؟!
ولهذا يقول القرآن في نهاية نفس هذه الآية : (ذلِكُمُ اللهُ فَأنّى تُؤْفَكُوْنَ).
* * *
تقول الآية الثانية بلهجة الاستفهام المُوبِّخ : (كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللهِ وكُنتُمْ أَمْوَاتاً فأَحْيَاكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُم ثُمَّ يُحْيِيكمْ) وفى هذا إشارة إلى أنّ قضية الحياة والموت كافية لمعرفة الله.
وبتعبير آخر فإن ظاهرة الحياة والموت في عالم الخلقة من أهم الوثائق لإثبات وجود الله.
إنّ الإنسان عندما يفتح عينيه ويعرف نفسه ، فإنّه يطالع هذه الوثيقة الكبيرة قبل كل شيء.
ويدرك الإنسان جيداً أنّ حياته ليست من عنده لأنّه كان يوماً في عداد الموجودات غير الحية ، إذن ، ثمّة قدرةٍ وهبته الحياة ، الحياة بكل أسرارها ورموزها ، بكل دقائقها وتعقيداتها.
اعتبر بعض المفسرين «الكفر» في هذه الآية بمعنى «كفران النعمة» ، أي كفران نعمة الحياة والموت ، هذا الموت الذي هو مقدّمة لحياة أخرى ، ولكن الظاهر هو أنّ الكفر هنا بمعنى إنكار وجود الله أو إنكار توحيده مِن قبل المشركين.
بالإضافة إلى أنّه جرى التأكيد في هذه الآية على قضية المعاد ، أي أنّ ظهور الحياة والموت تمثلان دليلاً على التوحيد بالإضافة إلى كونهما دليلاً على إمكان المعاد.
* * *