الآية الثالثة تُعد ضمن آيات المعاد ، ولكن كما قلنا فإنّ قضية الحياة والموت دليل على إثبات وجود الله وعلى إثبات المعاد ، والتعبير بـ (هُو يُحْيِى وَيُمِيْتُ) إشارة إلى أنّ الحياة والموت بيد الله فقط ، ولا يمكن لأحد سوى الله القادر المتعال أن يصنع مثل هذه الظاهرة المهمّة والعجيبة إلى أقصى الحدود.
* * *
أمّا الآية الرابعة فقد وردت ضمن آيات التوحيد في سورة (المؤمنون) ، وأكدت على قضيتين «قضية الحياة والموت» ، و «قضية ذهاب وإياب الليل والنهار» ولهذين شبه كبير فيما بينهما ، الموت كالظلمة ، والحياة كالنور والضياء ، وربما كان تقديم الليل على النهار من هذا الباب أيضاً ، ذلك أنّ الموت كان قبل أن تكون الحياة وكان الإنسان سابقاً أجزاءً ميتة ثم أنعم الله عليه فكساه ثوب الحياة ، وسواء كان «اختلاف الليل والنهار» بمعنى ذهاب وإياب الليل والنهار (من مادة «خِلفة» على وزن حِرفة بمعنى التناوب في المجيء والحلول محل البعض) ، أو من مادة «خِلاف» بمعنى التباين والاختلاف التدريجي في فصول السنة المختلفة ، وأيّاً كان المعنى فهو يدل على النظام الدقيق الذي يحكمهما وما يرافقه من فصول أربعة ومن بركات ناتجة عنها ، كما أنّ لقضية الموت والحياة والنظام الذي يحكمها في المجتمع الإنساني نتائج وآثاراً كثيرة لا يمكن بدونها تنظيم حياة الإنسان.
فَإذا لم يمت أحد ، لَما كانت الأرض محلاً للحياة ، وإن مات الجميع بسرعة خلت الأرض أيضاً ، ولكن خالق هذا العالم جعل فيه نظاماً دقيقاً بحيث لا تخلو الأرض من أقوام يعيشون عليها ويتمكنون من الانتفاع من مواهب الحياة ، وهذه هي سنّة الله فَقوم يأتون وقوم يذهبون.
ولهذا يقول تعالى في نهاية الآية : (أَفَلا تَعْقِلُونَ) أفلا تتفكرون في قدرة الخالق وربوبيته ووحدانيته؟ وإنّ من المستحيل ظهور هذا النظام البديع من غير علم ولا تدبير.
* * *