وقد تصوّر من السّحر تارة حسنه ، فقيل : إنّ من البيان لسحرا ، وتارة دقّة فعله ، حتى قالت الأطبّاء : الطبيعة ساحرة. وسمّوا الغذاء سحرا من حيث إنّه يدقّ ويلطف تأثيره. قال تعالى : (بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ)(١) أى مصروفون عن معرفتنا بالسّحر (٢) ، وعلى ذلك قوله : (إِنَّما أَنْتَ مِنَ الْمُسَحَّرِينَ)(٣) قيل ممّن جعل له سحر ، تنبيها أنّه يحتاج إلى الغذاء ؛ كقوله : (ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ)(٤) ، ونبّه أنّه كان بشرا ، وقيل : معناه : ممّن (٥) جعل له سحر يتوصّل بلطفه ودقّته إلى ما يأتى به ويدّعيه. وعلى الوجهين حمل قوله : (إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلاً مَسْحُوراً)(٦).
ولقيته سحرا ، وسحرة ، وبالسّحر ، وفى أعلى السّحرين ، وهما سحران : سحر مع الصّبح ، وسحر قبله ، كما يقال : الفجران : الكاذب والصّادق. وأسحرنا مثل (٧) أصبحنا. استحروا : خرجوا سحرا. وتسحّر : أكل السحور ، وسحّرنى فلان. وإنما سمّى السّحر استعارة لأنّه وقت إدبار الليل وإقبال النّهار ، فهو متنفّس الصّبح.
__________________
(١) الآية ١٥ سورة الحجر.
(٢) هذا متعلق بقوله : «مصروفون» أى مصروفون بالسحر عن معرفتنا وتعقلنا.
(٣) الآيتان ١٥٣ ، ١٨٥ سورة الشعراء.
(٤) الآية ٧ سورة الفرقان.
(٥) تبع فى هذا الراغب. والوجه الثانى فى اللسان أنه صرف عن حد الاستواء ، ومعنى ذلك أنه خبل عقله.
(٦) الآية ٤٧ سورة الاسراء ، والآية ٨ سورة الفرقان.
(٧) فى الأصلين : «منك» ، وما أثبت عن الأساس. يريد أن (أسحرنا) دخلنا فى السحر كما أن (أصبحنا) : دخلنا فى الصباح. فهذا معنى التماثل.