وقال بعض مشايخنا : الذّوق : مباشرة الحاسّة الظّاهرة أو الباطنة ، ولا يختصّ ذلك بحاسة الفم فى لغة القرآن ، بل ولا فى لغة العرب ، قال : (وَذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ)(١) ، وقال تعالى : (هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ)(٢) ، وقال : (فَأَذاقَهَا اللهُ لِباسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ)(٣) ، فتأمّل كيف جمع الذّوق واللّباس حتّى يدلّ على مباشرة الذوق وإحاطته وشموله ، فأفاد الإخبار عن إذاقته أنّه واقع مباشر غير منتظر ؛ فإنّ الخوف قد يتوقّع ولا يباشر ، وأفاد الإخبار عن لباسه أنّه محيط شامل كاللّباس للبدن.
وفى الصحيح عن النّبى صلىاللهعليهوسلم : «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا (٤)» فأخبر أنّ للإيمان طعما ، وأنّ القلب يذوقه كما يذوق الفم طعم الطّعام والشّراب. وقد عبّر النّبىّ صلىاللهعليهوسلم عن إدراك حقيقة الإيمان والإحسان وحصوله للقلب ومباشرته له بالذّوق تارة ، وبالطعام والشراب تارة ، وبوجدان الحلاوة تارة ، كما قال : ذاق طعم الإيمان ... «الحديث» ، وقال : «ثلاث من كنّ فيه وجد حلاوة الإيمان (٥)».
والذّوق عند العارفين : منزل من منازل السّالكين أثبت وأرسخ من منزلة الوجد عندهم. وسيأتى الكلام فيه فى فنّ علم التصوّف إن شاء الله.
__________________
(١) الآية ٥٠ سورة الأنفال
(٢) الآية ٥٧ سورة ص
(٣) الآية ١١٢ سورة النحل
(٤) ورد فى الجامع الصغير عن المسند وعن مسلم
(٥) جاء فى الجامع الصغير عن الشيخين وغيرهما