فيه سكينة هى ما يعرفون من الآيات فيسكنوا (١) إليها. وقال قتادة والكلبى : هى من السّكون ، أى الطمأنينة من ربّكم. ففى أىّ مكان كان التّابوت اطمأنوا إليه وسكنوا. قال (٢) : وفيها ثلاثة أشياء : للأنبياء معجزة ، ولملوكهم كرامة ، وهى آية النّصرة ، تخلع قلوب الأعداء بصوتها رعبا إذا التقى الصّفّان للقتال.
وكرامات الأولياء هى من معجزات الأنبياء ؛ لأنهم إنّما نالوها على أيديهم وبسبب اتّباعهم ، فهى لهم كرامات ، وللأنبياء دلالات معجزات. فكرامات الأولياء لا تعارض معجزات الأنبياء ، حتّى يطلب الفرقان بينهما ، لأنّها من أدلّتهم وشواهد صدقهم ، ثمّ الفرقان بين ما للأنبياء وما للأولياء من وجوه كثيرة ليس هذا موضع ذكرها.
واعلم أنّ السكينة الّتى تنطق على لسان المحدّثين (٣) ليست هى شيئا يملك ، إنما هى شىء من لطائف صنع الله تلقى على لسان المحدّث الحكمة ؛ كما يلقى الملك الوحى على قلوب الأنبياء ، وينطق المحدّثين بنكت الحقائق مع ترويح الأسرار وكشف الشّبه. والسّكينة إذا نزلت فى القلب اطمأنّ بها ، وسكنت إليها الجوارح ، وخشعت ، واكتست الوقار ، وأنطقت اللسان بالصّواب والحكمة ، وحالت بينه وبين قول الخنى والفحش واللّغو والهجر وكلّ باطل. وقال ابن عبّاس رضى الله عنهما : كنّا نتحدّث
__________________
(١) كذا فى الأصلين. وحذف النون هنا للتخفف لا لناصب ولا جازم.
(٢) انظر من هو القائل. فهل هو قتادة أو الكلبى أو غيرهما.
(٣) جمع محدث ، وهو الملهم الذى يلقى فى نفسه الشىء فيخبر به حدسا وفراسة ، وهو نوع يخص الله به من يشاء من عباده الذين اصطفى ، مثل عمر ، كأنهم حدثوا شىء فقالوه. كما فى التاج (حدث).