بكلامه. الثّانى : أن يصغى بسمعه فيميله كلّه نحو المخاطب له ، فإن لم يفعل لم ينتفع بكلامه. الثّالث : أن يحضر قلبه وذهنه عند المكلّم له ، وهو الشهيد أى الحاضر غير الغائب. فإن غاب قلبه ، وسافر فى موضع آخر لم ينتفع بالخطاب. وهذا كما أنّ المبصر لا يدرك حقيقة إلّا إذا كانت له قوّة باصرة وحدّق بها نحو المرئىّ ، ولم يكن قلبه مشغولا بغير ذلك ، فإن فقد القوّة المبصرة ، أو لم يحدّق نحو المرئىّ ، أو حدّق نحوه وقلبه كلّه فى موضع آخر ، فإنّه لا يدركه ؛ كما أنّ كثيرا ما مرّ بك إنسان أو غيره ، وقلبك مشغول بغيره ، ولا تشعر بمروره. فهذا الشّأن يستدعى صحّة القلب ، وحضوره ، وكمال الإصغاء.
والمشاهدة من منازل السّالكين وأهل الاستقامة ، منزلة عالية فوق منزلة المكاشفة. على أنّه ليس للعبد فى الحقيقة مشاهدة ، ولا مكاشفة ، لا للذّات ولا للصّفات ، أعنى مشاهدة عيان وكشف ، وإنّما هو مزيد إيمان. فيجب التّنبيه والتنبّه هاهنا على أمر ، وهو أنّ المشاهد نتائج العقائد ، فمن كان معتقده ثابتا فى أمر من الأمور فإنّه إذا صفت نفسه ، وارتاضت ، وفارقت الشهوات والرّذائل ، وصارت روحانيّة ، تجلّى لها صورة معتقدها كما اعتقدته. وربّما قوى ذلك التّجلّى ، حتى يصير لها كالعيان وليس به ، فيقع الغلط من وجهين : أحدهما أنّ ذلك ثابت فى الخارج وإنّما هو فى الذهن ، لكن لمّا صفا وارتاض ، وانجلت عنه ظلمات الطبع ، وغاب بمشهوده عن