قال صلىاللهعليهوسلم : «استقيموا ولن تحصوا (١)». وقيل (٢) : لن تحصوا ثوابه. وقال بعض الحكماء. كوننا مصيبين من وجه ، وكوننا ضالّين من وجوه كثيرة ، فإنّ الاستقامة والصّواب يجرى مجرى المقرطس (٣) من المرمىّ (٤) ، وما عداه من الجوانب كلّها ضلال.
وإذا كان الضلال ترك الطريق المستقيم ، عمدا كان أو سهوا ، قليلا كان أو كثيرا ، صحّ أن يستعمل لفظ الضّلال فيمن يكون منه خطأ ما. ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء وإلى الكفار ، وإن كان بين الضلالين بون بعيد ، قال تعالى : (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى)(٥) ، أى غير مهتد لما سيق إليك من النبوّة. و (قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ)(٦) ، وقال : (إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ)(٧) تنبيها أنّ ذلك منهم (٨) سهو. وقوله تعالى : (أَنْ تَضِلَّ إِحْداهُما)(٩) ، أى تنسى ، وذلك من النّسيان الموضوع عن الإنسان.
والضّلال من وجه آخر ينقسم قسمين : ضلال فى العلوم النظريّة ؛ كالضلال فى معرفة الوحدانيّة ومعرفة النبوّة ونحوهما المشار إليهما بقوله :
__________________
(١) ورد هذا الحديث فى الجامع الصغير عن مسند أحمد وغيره.
(٢) والوجه الآخر أن المعنى : لن تطيقوا أن تستقيموا حق الاستقامة لعسرها.
(٣) يقال : رمى فقرطس : أصاب القرطاس. وهو الهدف ينصب للنضال.
(٤) فى الراغب : «الرمى»
(٥) الآية ٧ سورة الضحى.
(٦) الآية ٢٠ سورة الشعراء.
(٧) الآية ٨ سورة يوسف.
(٨) كذا وكان الأصل : «منه وفى الراغب ورد هذا تعقيبا على قول موسى : «قالَ فَعَلْتُها إِذاً وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ» ، فأما قوله : «إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ» فقال عقبة : «اشارة الى شغفه بيوسف وشوقه اليه».
(٩) الآية ٢٨٢ سورة البقرة.