إِلَّا أَنْفُسَهُمْ)(١) أى يتحرّون أفعالا يقصدون بها أن تضلّ ، فلا يحصل من فعلهم ذلك إلّا ما فيه ضلال أنفسهم.
وإضلال الله تعالى للإنسان على وجهين :
أحدهما : أن يكون سببه الضلال. وهو أن يضلّ الإنسان فيحكم الله عليه بذلك فى الدنيا ، ويعدل به عن طريق الجنّة إلى النار فى الآخرة. وذلك الإضلال (٢) هو حقّ وعدل ؛ فإنّ الحكم على الضّال بضلاله ، والعدول به عن طريق الجنّة إلى النار حقّ وعدل.
والثانى من إضلال الله : هو أنّ الله تعالى وضع جبلّة الإنسان على هيئة إذا راعى طريقا محمودا كان أو مذموما ألفه واستطابه ، وتعسّر عليه صرفه وانصرافه عنه. ويصير ذلك كالطبع الذى يأبى على النّاقل ؛ ولذلك قيل : العادة طبع ثان. وهذه القوّة فينا فعل إلهىّ.
وإذا كان كذلك ، وقد ذكر فى غير هذا الموضع أن كل شىء يكون سببا فى وقوع فعل يصحّ نسبة ذلك الفعل إليه ، فصحّ أن ينسب ضلال العبد إلى الله من هذا الوجه ، فيقال : أضلّه الله ، لا على الوجه (٣) الذى يتصوّره الجهلة. ولما قلنا جعل الإضلال المنسوب إلى نفسه للكافر والفاسق دون المؤمن ، بل نفى عن نفسه إضلال المؤمن فقال : (وَما كانَ اللهُ لِيُضِلَ
__________________
(١) الآية ١١٣ سورة النساء.
(٢) فى الأصلين : «اضلال».
(٣) الوجه الذى ينفيه أن معنى اضلال الله العبد خلق الضلال فيه ، وهو مذهب أهل السنة وما ذكره مذهب اعتزالى ، وقد تبع المؤلف فى هذا الراغب.