هو من جملة الأحوال ، يعنى هذا لا يمكن أن يتوصّل إليه العبد ، بل هو نازلة تحلّ بالقلب كسائر الأحوال. والفرق بين المقامات والأحوال ، أن المقامات عندهم من المكاسب ، والأحوال مجرّد المواهب.
وحكمت فرقة ثالثة بين الطّائفتين ، منهم الشيخ القدوة صاحب (١) الرّسالة وغيره ، فقالوا (٢) : يمكن الجمع بينهما بأن يقال : مبدأ الرّضا مكتسب للعبد فهو من جملة المقامات ، ونهايته من جملة الأحوال ، فليست مكتسبة.
واحتج شيوخ خراسان ومن قال بقولهم بأنّ الله تعالى مدح أهله وأثنى عليهم وندبهم إليه ، فدلّ على أنّه مقدور لهم ، وقال النّبى صلىاللهعليهوسلم : «ذاق طعم الإيمان من رضى بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمد رسولا (٣)». ورأيت من أصحابنا من نزّل هذا الحديث على جميع معانى سورة الأنبياء حرفا حرفا. وقال : «من قال حين يسمع النّداء : رضيت بالله ربّا وبالإسلام دينا وبمحمّد رسولا غفرت له ذنوبه». وهذا الحديثان عليهما مدار مقامات الدّين ، وقد تضمّنا الرّضا بربوبيّته سبحانه وألوهيته ، والرّضا برسوله والانقياد له ، والرّضا بدينه والتسليم له. ومن اجتمعت له هذه الأربعة فهو الصّدّيق حقّا. وهى سهلة بالدّعوى واللّسان ، ومن أصعب الأمور عند الحقيقة والامتحان ، ولا سيّما إذا ما خالف هوى النّفس ومرادها ، فحينئذ يتبين أنّ الرّضا كان على رسالة لا على حالة.
__________________
(١) هو أبو القاسم عبد الكريم بن هوازن القشيرى ، صاحب الرسالة فى رجال الطريقة فى التصوف ، وكانت وفاته سنة ٤٦٥ ه بمدينة نيسابور ، كما فى ابن خلكان.
(٢) انظر الرسالة ص ١١٥.
(٣) رواه أحمد فى المسند ومسلم عن العباس بن عبد المطلب ، كما فى الجامع الصغير.