وتبريرا معقولا لرد طلبه عند العرف والعقلاء ..
ثم إنه لم يظهر من حال هذا الأسير ما يشي بصدقه فيما يدّعيه من الحاجة .. وحتى لو كان صادقا ، فإن حاجته ليست بمستوى حاجة من طوى ثلاثة أيام بدون طعام ، فكيف إذا كان هذا الطاوي هو طفلان صغيران. ثم كانا هما الحسن والحسين ، ومعهما الزهراء ، وعلي أمير المؤمنين عليهمالسلام.
ثم إنه قد كان يمكنهم [عليهمالسلام] أن يعطوه بعضا من ذلك الطعام ، ويحتفظوا لأنفسهم بالباقي ، أو يحتفظوا بطعام الحسنين عليهماالسلام على الأقل ..
فكل هذه العوامل التي ذكرناها تدعو إلى الاحتفاظ بالطعام .. تضاف إليها العوامل المضادة والمانعة من العطاء ، ومن بينها ما هو قوي ، ومتناغم مع العواطف والمشاعر الإنسانية ، ومع كثير من النقاط التي سجلناها من ابتداء الحديث إلى هنا ..
وبعد هذا كله .. فقد جاءت المفاجأة وأعطى هؤلاء الصفوة ذلك الأسير كل ما لديهم ، وعرّضوا أنفسهم للأخطار الجسام. مع أنه قد كان يكفيه بعض ما أعطوه ، غير أنهم أرادوا له أن يجد لنفسه قوتا في أطول زمن يمكنهم أن يمدوه بالقوت فيه ..
والبذل في مثل هذه الحالات ، وبملاحظة كل تلكم الخصوصيات ، هو منتهى الكمال الإنساني ، والإيماني ، والروحي ، وهو الحد الذي لا يصل إليه بشر. إلا إذا كان ذلك البشر هو الرسول الأعظم [صلىاللهعليهوآله] رغم أن عطاءهم في ظاهر الأمر ، كان بضعة أقراص من شعير .. لكن الحقيقة هي أن في هذه الأقراص ، كل حياتهم ، وكل وجودهم ، وكل الطهر ، والإيمان والإخلاص ..