العلم بالمعنى المشار إليه .. فالكفر يمثل حالة الجهل المركب ، المعتضد بالاستكبار والعناد .. وأخرى يكون غفلة واحتجابا حقيقيا ، وابتعادا وغربة عن الحق ..
أو أن الكفر هو حالة من التمرد والتعدي على مقام العزة الإلهية ، وأخذ موقعه ، واستبدال الحق الصادر عنه بباطل يفسد الحياة ، ثم السعي لوأد ذلك الحق ، أو لا أقل إلى إبعاده عن ساحة العمل والتداول ، وعدم الاعتراف به ، حتى مع رؤيته له .. كما قال الله تعالى : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (١) ..
فإن من الواضح : أن هذا الاحتجاب هو العمق الواقعي لكلمة الكفر. فالزارع كافر ، لأنه يحجب البذر بالتراب ، ويغطيه به. والليل كافر ، لأنه يحجب الأشياء عن أن ينالها النظر ..
أما الإيمان ، فهو يمثل حالة الوعي واليقظة ، والتزام الحق ، والسكون إليه ..
وحين يتحدث الله سبحانه عن خلق الإنسان من نطفة أمشاج ، فإنما يريد أن يعالج حالة الغفلة التي تعيشها هذه النفس الإنسانية ، المؤمنة والكافرة على حد سواء ..
فأما الكافرة التي احتجبت عمدا أو غفلة وجهلا عن الحق ، أو حجبت الحق عن الحضور في مواقع الحركة في الحياة ، فيحاول دفعها إلى إزالة ذلك الحجاب ، للخروج عن حالة التحدي للسنن الإلهية ، والتمرد على إرادة الله ، والسعي لإفساد الحياة ، والعبث بنواميسها ..
__________________
(١) سورة النمل الآية ١٤.