وأما النفس المؤمنة المطمئنة التي تعيش السّلام بكل معانيه ، فيريد أن يزيدها يقظة ، وحصانة ، واندفاعا ، وتوثبا نحو العمل الجاد للرقي في مدارج الكمال ، ونيل المعارف ، والحصول على التوفيقات ، والهدايات ، والألطاف الإلهية ، في كل موقع تكون فيه ، للتحرك منه إلى مواقع تطمح لأن تصل إليها ..
فهذا الخطاب الإلهي للمؤمن وللكافر ، هو خطاب تربوي تدبيري ، تعليمي ، يهدف إلى فتح قلب الكافر ليستقبل إشراقة النور ، ثم إلى تثبيت المؤمن ، وتقويته ، ليزداد إيمانا ، ويقينا ، وإبعاده عن مواقع الخطر ، وتحصينه في مواجهة كل التحديات الشيطانية.
على أن من الواضح : أن العلم وحده لن يكون كافيا لتحقيق الهداية ، بل هو قد يكون سببا في الضلال ، والإضلال .. كذلك الذي (أَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) (١) .. (الَّذِي آتَيْناهُ آياتِنا فَانْسَلَخَ مِنْها) (٢) ..
وذلك لأن الشيطان يأتيه عن طريق هذا العلم بالذات ، فيضخم له نفسه ، ويخرجه من حالة التوازن ، ويدعوه إلى العجب ، والزهو ، والعلو ، ويدفعه لأن يدعي ما ليس فيه ، وما ليس له ، ويتجاوز حدوده ..
وإنما تمكن الشيطان منه ، لأنه إنما أشغله ببدايات العلم ، فبهرته أحجامه ، وأقسامه ، وطمس وعمّى عليه غاياته الكبرى والسامية والنبيلة .. كالذي يريد تفسير القرآن ، فيشغل نفسه بعدّ حروفه ، وكلماته .. وخصوصيات النغم الصوتي حين أداء الكلمات ، ويغفل عن المعاني ،
__________________
(١) سورة الجاثية الآية ٢٣.
(٢) سورة الأعراف الآية ١٧٥.