ورسم حدود لا مجال لتجاوزها .. وهذه الصور العقلية هي الأرقى والأتم في سلسلة الصور الوجودية التي يتعامل معها الإنسان ..
بيان ذلك : أن الصور العينية الخارجية لها حظ من الوجود ، ثم تأتي الحواس لتأخذ عنها صورا حسية ..
ثم يترقى مستوى الإدراك إلى حد إدراك أحوال المحسوسات ، وربما يتصرف في الصور أيضا ، فيدرك أن هذا أكبر من ذاك ، أو أطول ، أو يؤلف من خلالها صورا تشتمل على عناصر مؤتلفة ، فيتخيل المدينة الفلانية التي لم يرها ، من خلال صور ما رآه بالفعل.
ثم هذا القسم والذي سبقه هو عبارة عن صور حسية وخيالية للأعيان الخارجية ، لكن صورها تكون في الذهن ، سواء أكانت الصورة لنفس الشيء ، أم لحالة من حالاته ..
وهناك قسم ثالث : أرقى من القسمين السابقين ، وهو إدراك معان جزئية ، ليس لها منطبق خارجي محسوس بالحواس الخمس .. لكنه موجود حقيقي يدرك بآثاره ، وذلك كإدراك حب أبويه له ، وخوف الخائف ، وحزن الحزين ..
وهناك معان كلية ليس لها موطن إلا الذهن ، وليست صورا للأعيان الخارجية ، ولا هي من قبيل التصرف في صور المحسوسات ، ولا هي معان جزئية. وهي على قسمين :
أحدهما : معان كلية ذهنية ، محضة ، مثل مفهوم الكلي والجزئي ، والجنس ، والفصل.
الثاني : معان كلية موطنها الذهن ، وظرف وجودها الخارج ، مثل : الصغير والكبير ، والحسن والقبح .. والوحدة والكثرة ، والوجود والعدم.