قال لهم أهل العدل فقد لزمكم على هذا أن تثنوا على إبليس اللعين وتقولوا إنه محمود لموافقة إرادته لإرادة الله عزوجل وهذا ما ليس فيه حيلة لكم مع تمسككم بمذهبكم.
حكاية للمؤلف في مجلس بعض الرؤساء
وقد كنت أوردت هذه المسألة في مجلس بعض الرؤساء مستظرفا له بها وعنده جمع من الناس فقال رجل ممن كان في المجلس يميل إلى الجبر إن كان هذه المسألة لا حيلة للمجبرة فيها فعليكم أنتم أيضا مسألة لهم أخرى لا خلاص لكم مما يلزمكم منها.
فقلت وما هي قال يقال لكم إذا كان الله تعالى لا يشاء المعصية وإبليس يشاؤها ثم وقعت معصية من المعاصي فقد لزم من هذا أن تكون مشيئة إبليس غلبت مشيئة رب العالمين.
فقلت إنما تصح الغلبة عند الضعف وعدم القدرة ولو كنا نقول إن الله تعالى لا يقدر أن يجبر العبد على الطاعة ويضطره إليها ويحيل بينه وبين المعصية بالقسر والإلجاء إلى غيرها لزمنا ما ذكرت وإلا بخلاف ذلك وعندنا أن الله تعالى يقدر أن يجبر عباده ويضطرهم ويحيل بينهم وبين ما اختاروه فليس يلزمنا ما ذكرتم من الغلبة.
وقد أبان الله تعالى فقال :
(وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً واحِدَةً) هود : ١١٨
وقال تعالى :
(وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) السجدة : ١٣
وإنما لم يفعل ذلك لما فيه من الخروج عن سنن التكليف وبطلان استحقاق العباد للمدح والذم فتأمل ما ذكرت تجده صحيحا فلم يأت بحرف بعد هذا.