وهو أنه قد كان في قوم نوح طائفة تقول بالجبر فنبههم بهذا القول على فساد مذاهبهم وقال لهم على طريق الإنكار عليهم والتعجب من قولهم إن كان القول كما تقولون من أن الله يفعل فيكم الكفر والفساد فما ينفعكم نصحي فلا تطلبوا مني نصحا وأنتم على قولكم لا تنتفعون به.
من هم القدرية
فصل في معرفة القدرية
اعلم أنا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت فهي ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدم لها تبعته ولم نجد في أسماء الفرق كلها اسما ينكره أصحابه ويتبرأ منه أهله ولا يعترف أحد به إلا القدرية فأهل العدل يقولون لأهل الجبر أنتم القدرية وأهل الجبر يقولون لأهل العدل أنتم القدرية.
وإنما تبرأ الجميع من هذا الاسم لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن القدرية وأخبر أنهم مجوس الأمة والأخبار بذلك مشتهرة.
فمنها ما حدثني به أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصواف بمصر قال حدثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي قال حدثنا عباس بن محمد الدوسي قال حدثنا عثمان بن زفر قال حدثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
لكل أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم في طريق فألجئوهم إلى ضيقة.
وهذا القول من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة لأنهم لم ينعتهم بالمجوسية إلا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد وقد علمنا بغير شك ولا ارتياب أن من قول المجوس أن الله تعالى فاعل لجميع ما سر ولذ وأبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع ،