دليل آخر على تناهي ما مضى
وهو أنه قد مضت أيام وليال ووقفنا اليوم عند آخرها فلا يخلو أن تكون الأيام أكثر عددا من الليالي أو يكون الليالي أكثر من الأيام أو يكونا في العدد سواء.
فإن كانت الأيام أكثر من الليالي تناهت الليالي لأنها أقل منها واقتضى ذلك تناهي الأيام أيضا لبطلان اتصالها قبل الليالي بغير ليال بينها فوجب على هذا الوجه تناهيهما معا.
وإن كانت الليالي أكثر من الأيام كان الحكم فيها نظير ما قدمنا من تناهي الأول فتناهي الأيام لزيادة الليالي عليها ويقتضي ذلك تناهي الليالي أيضا لفساد اتصالها قبل الأيام بغير أيام بينها فوجب على هذا الوجه الآخر تناهيهما معا.
وإن كانت الأيام والليالي في العدد سواء كان بمجموعها أكثر عددا من أحدهما بانفراده.
وهذا يشهد بتناهيهما إذ لو كان كل واحد منهما في نفسه غير متناه ما تصورت العقول عددا أكثر منه.
وقد علمنا أن الليالي مع الأيام جميعا أكثر عددا من أحدهما وهذا موضح عن تناهيهما.
وبهذا الدليل نعلم أيضا تناهي جميع ما مضى من الحركات والسكنات ومن الاجتماعات والافتراقات ومن الطيور والبيض والشجر والحب وما يجري مجرى ذلك.
معارضة
قال الملحدون هذا الكلام عائد عليكم في نعيم المؤمنين في الجنة وعذاب الكافرين في النار وقد زعمتم أن كل واحد منهما لا نهاية له ولستم تذهبون إلى أن أحدهما أكثر من الآخر فنخاطبكم بما ذكرتم ولكن نقول لكم إنهما بمجموعهما أكثر عددا من أحدهما وهذا يوجب تناهيهما جميعا وحصرهما.