قال وفي اجتماعهما دليل على حدوثها لأنها لا يجوز عليها الانفراد فإذا كانت لا توجد إلا مجتمعة وبطل أن توجد كذلك إلا بجامع جمعها صح أنه قبلها وأنها لم توجد إلا حين ابتدعها مجتمعة ولو وجدت قبل ذلك لم توجد إلا على أحد وجهين إما أن يكون كل واحد منهما منفردا وهذا محال أو تكون مجتمعة لا جامع لها وهذا أيضا محال.
فقد صح أنها ابتدعت وأن الذي جمعها كان موجودا قبلها لم يزل.
مسألة على نفاة الحقائق (١)
وهم الذين يقولون المذاهب باطلة كلها وإنه لا حق بشيء منها.
فيقال لهم أخبرونا عن مذهبكم هذا أحق هو أم باطل.
_________________
(١) هم من فرق الفلسفة السوفسطائية «الحكمة المجوهة» ويقولون إنّه لا حقائق واقعا ، لأن الطريق إلى إدراكها هي الحواس الظاهرة الخمسة ، وقد تخطئ ، ومع احتمال خطئها فلا يمكن الجزم بشيء ممّا تؤديه ، فالجهاز البصري قد نرى به ما ليس بواقع واقعا ، والحاسة الذوقية قد تخدعنا أحيانا ، فالمريض بالحمى يجد الحلو مرا ، والحاسة السمعية قد تخدعنا أيضا فتسمعنا أصواتا غير واقعية ، وحاسة الشم قد تخطئ أيضا عند اختلالها ، وتعطينا رائحة غير واقعية ، وأنّه يكفي للشك فيما تؤديه هذه الحواس ولو مرة واحدة.
وتقول هذه الفلسفة إنّه لا حقائق للأشياء ، وإنّما هي أوهام عارضة ، لأن ما نشاهده يجوز أن يكون على ما نشاهده أو تسمعه أو نبصره أو نشمه ، كما يجوز أن لا يكون كذلك.
ومن مذاهب هذه الفلسفة ، المذهب اللاأدري ، القائم على نفي العلم بالحقائق ، وهم يثبتون الحقائق في نفس الواقع ولكنهم ينفون العلم بها ، ويقولون لا ندري.
ومذهب آخر منها يسمى المذهب العندي ، ويقوم على نفي حقائق للأشياء في واقعها ، وإنّما واقعها عند معتقديها فقط ، فليس لها حقيقة واحدة في نفس الأمر ، بل حقيقتها عند كل قوم على حسب اعتقادهم.
ويبدو أن هذا المذهب هو الأساس للفلسفة المثالية التي نادى بها (بركلي) القائلة بأنّه لا واقع خارج الذهن والوعي ، وأن الحقائق ليست إلّا انعكاسات لوعي الإنسان ، وليست أشياء مستقلة خارجة عن هذا الوعي.