قصة وقعت للمؤلف
ومن عجيب ما رأيت واتفق لي إنني توجهت يوما لبعض أشغالي وذلك بالقاهرة في شهر ربيع الآخر سنة ست وعشرين وأربعمائة فصحبني في الطريق رجل كنت أعرفه بطلب العلم وكتب الحديث فمررنا في بعض الأسواق بغلام حدث فنظر إليه صاحبي نظرا استربت منه ثم انقطع مني ومال إليه وحادثه فالتفت انتظارا له فرأيته يضاحكه فلما لحق بي عذلته على ذلك وقلت له لا يليق هذا بك فما كان بأسرع من أن وجدنا بين أرجلنا في الأرض ورقة مرمية فرفعتها لئلا يكون فيها اسم الله تعالى فوجدتها قديمة فيها خط رقيق قد اندرس بعضه وكأنها مقطوعة من كتاب فتأملتها فإذا فيها حديث ذهب أوله وهذا نسخته.
قال إني أخوك في الإسلام ووزيرك في الإيمان وقد رأيتك على أمر لم يسعني أن أسكت فيه عنك ولست أقبل فيه العذر فيك قال وما هو حتى ارجع عنه وأتوب إلى الله تعالى منه قال رأيتك تضاحك حدثا غرا جاهلا بأمور الله وما يجب من حدود الله وأنت رجل قد رفع الله قدرك بما تطلب من العلم وإنما أنت بمنزلة رجل من الصديقين لأنك تقول حدثنا فلان عن فلان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرئيل عن الله تعالى فيسمعه الناس منك فيكتبوه عنك ويتخذونه دينا يعولون عليه وحكما ينتهون إليه وإنما أنهاك أن تعود لمثل الذي كنت عليه فإني أخاف عليك غضب من يأخذ العارفين قبل الجاهلين ويعذب فساق حملة القرآن قبل الكافرين.
فما رأيت حالا أعجب من حالنا ولا عظة أبلغ مما اتفق لنا ولما وقف عليه صاحبي اضطرب لها اضطرابا بان فيها أثر لطف الله تعالى لنا وحدثني بعد ذلك أنه انزجر عن تفريطات كانت تقع منه في الدين والدنيا والحمد لله.