واعلم أنه لو لا ما تناهي إلي من حيرتك وحيرة الأمة قبلك لأمسكت عن الجواب ولكني الناصح وابن الناصح.
الأمين والذي أنا عليه أنه من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فقد كفر ومن حمل المعاصي على الله عزوجل فقد فجر إن الله لا يطاع بإكراه ولا يعصى بغلبة ولم يهمل العباد سدى من المملكة ولكنه عزوجل المالك لما ملكهم والقادر على ما عليه أقدرهم فإن ائتمروا بالطاعة لم يكن الله عزوجل لهم صادا ولا عنها مانعا وإن ائتمروا بالمعصية فشاء سبحانه أن يمن عليهم فيحول بينهم وبينها فعل وإن لم يفعل فليس هو الذي حملهم عليها إجبارا ولا ألزمهم بها إكراها بل احتجاجه جل ذكره عليهم أن عرفهم وجعل لهم السبيل إلى فعل ما دعاهم إليه وترك ما نهاهم عنه ولله الحجة البالغة والسلام. (١)
أبو حنيفة مع الإمام موسى بن جعفر
وروى محمد بن سنان عن داود بن كثير الرقي أن أبا حنيفة قال لابن أبي ليلى مر بنا إلى موسى بن جعفر عليهم السلام لنسأله عن أفاعيل العباد وذلك في حياة جعفر الصادق عليهم السلام وموسى يومئذ غلام فلما صار إليه سلما عليه ثم قالا له أخبرنا عن أفاعيل العباد ممن هي.
فقال لهما إن كانت أفاعيل العباد من الله دون خلقه فالله أعلى وأعز وأعدل من أن يعذب عبيده على فعل نفسه وإن كانت من خلقه فالله أعلى وأعز من أن يعذب عبيده على فعل قد شاركهم فيه وإن كانت أفاعيل العباد من العباد فإن عذب فبعدله وإن غفر فهو (أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ) ثم أنشأ يقول :
لم تخل أفعالنا اللاتي نذم بها |
|
إحدى ثلاث معان حين نأتيها |
إما تفرد بارينا بصنعتها |
|
فيسقط الذم عنا حين ننشيها |
أو كان يشركنا فيها فيلحقه |
|
ما سوف يلحقنا من لائم فيها |
أو لم يكن لإلهي في جنانيها |
|
ذنب فما الذنب إلا ذنب جانيها (١) |
_________________
(١) تجد هذه المراسلة في تحف العقول للحراني صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٦٢ مع بعض الاختلاف والزيادة.
(٢) روى ذلك الحرّانيّ في كتاب تحف العقول صلى الله عليه وآله وسلم ٣٠٨ مختلفا عن رواية المؤلّف ودون ذكر =