دليل
مما يدل على أن الحوادث الماضية لا بد لها من أول أننا في كل وقت من أوقات زماننا بين آخر ما فيها وأول مستقبلها فقد علمنا لا محالة آخر ما مضى وهو أحد طرفيه.
ثم نحن نعلم علما لا نشك فيه أن ما يأتي من مستقبل الحوادث إلى مائة سنة يكثر عدد الماضي ويزيد فيه.
فمعلوم أنه قبل الزيادة أقل عددا منه إذا انضمت أي الزيادة إليه وهذا يدل على تناهي عدد ما مضى وحصر طرفيه لأنه لو كان لا نهاية له لم تتصور العقول دخول التكثر فيه.
وقد صح بما بيناه أن الحوادث الماضية تصير إلى مائة سنة أكثر عددا مما هي اليوم عليه. (١)
فبان بهذا تناهيها وصح أولها كما صح آخرها ويبطل مقال الدهرية فيها.
معارضة
وقد قال الملحدون إن جميع ما ذكرتموه في الماضي عائد عليكم في المستقبل لأنكم تقولون إن أفعال الله تعالى المستقبلة لا آخر لها ومع هذا فقد علمتم أولها وهو أحد طرفيها فيجب أن يكون ما يوجد إلى مائة سنة ينقص منها وإذا دخل النقصان فيها دل على تناهيها وانحصار طرفيها.
انفصال
فيقال لهم بين الماضي والمستقبل في ذلك فرق وهو أن الحوادث الماضية ليس منها إلا ما كان موجودا قبل مضيه فقد شمل جميعها حكم الوجود فوجب أن يزيد فيها كل ما يخرج إلى الوجود.
وليس المستقبل كذلك لأنها لم توجد وإنما هي في إمكان الفاعل فلا يصح فيها النقض ولا سبيل إلى القول فيها بالتناهي.
_________________
(١) يعني به اليوم الذي افترضه.