وهؤلاء أيدك الله هم الدهرية القائلون بأن الدهر سرمدية لا أول له ولا آخر وأن كل حركة تحرك بها الفلك فقد تحرك قبلها بحركة من غير نهاية وسيتحرك بعد بحركة بعدها حركة لا إلى غاية وأنه لا يوم إلا وقد كان قبله ليلة ولا ليلة إلا وقد كان قبلها يوم ولا إنسان إلا أن يكون من نطفة ولا نطفة تكونت إلا من إنسان ولا طائر إلا من بيضة ولا بيضة إلا من طائر ولا شجرة إلا من حبة ولا حبة إلا من شجرة.
وأن هذه الحوادث لم تزل تتعاقب ولا تزال كذلك ليس للماضي فيها بداية ولا للمستقبل فيها نهاية وهي مع ذلك صنعة لصانع لم يتقدمها وحكمة من لم يوجد قبلها وأن الصنعة والصانع قديمان لم يزالا (١) تعالى الله الذي لا قديم سواه وله الحمد على ما أسداه من معرفة الحق وأولاه. وأنا بعون الله أورد لك طرفا من الأدلة على بطلان ما ادعاه الملحدون وفساد ما تخيله الدهريون.
_________________
= السماوات والأرض إلّا ما شاء ربك) ووافقه على انقطاع حركات أهل الخلدين كل من أبي الهذيل العلّاف وإبراهيم النظام من المعتزلة.
وقد فات هؤلاء أن حركات أهل الخلدين ليست لذاتها ولنفسها ، وإنّما بقاؤها بالعرض تابع لوجود المبقي وهو اللّه الحيّ الباقي.
وزاد أبو الهذيل والنظام على ذلك أن أهل الخلدين بصيرون إلى سكون دائم جمودا وتجتمع اللذات في ذلك السكون لأهل الجنة ، وتجتمع الآلام في ذلك السكون لأهل النار.
كل ذلك فرارا من وجود حوادث لا آخر لها كوجود حوادث لا أول لها ، إذ كل منهما لا يتناهى.
وقد فاتهما أن السكون كالحركة يلزم منه ما فرا ممّا يلزمهما في الحركة ، وبخاصّة أنّه أحد الأكوان الأربعة.
ولهشام بن الحكم مناظرة طريفة مع أبي إسحاق النظام حول هذه المسألة ، لم يحر النظام معه جوابا. ذكرناها في كتابنا (هشام بن الحكم) انظر صلى الله عليه وآله وسلم ٢١٥ = ٢١٦.
١ وهذا الرأي منسوب إلى كثير من الفلاسفة الإسلاميين كأبي بكر محمّد بن زكريا الرازيّ الفيلسوف والطبيب المشهور المولود عام (٣١ ١ ه).
وخلاصة هذا الرأي ان الصانع متقدم على الصنعة رتبة لا زمانا ، كتقدم العلة على المعلول الذي لا يتخلف عن علته الموجبة وقد ترجمنا له في كتابنا (فلاسفة الشيعة) ، وعرضنا فيه لرأيه في هذا الموضوع بدراسة وافية.