فأما القول بأنه قضاها على معنى أنه خلقها فغير صحيح لأنه لو خلق الطاعة والمعصية لسقط اللوم عن العاصي بموجب العدل ولم يكن معنى لإثابة الطائع في حجة ولا عقل.
ويقول في أفعال الله إنها كلها بقدره يريد أنها لا تفاوت فيها ولا خلل وأنها بموجب الحكمة ملتئمة وعلى نسق الصواب منتظمة.
فأما الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله حكاية عن الله سبحانه :
من لم يرض بقضائي ولم يصبر على بلائي فليتخذ ربا سوائي. (١)
فهو واضح المعنى للعاقل وهذا القضاء من الله تعالى هو مما يبتلى به العبد من أعلاله وأسقامه وعوارضه وآلامه وفقره بعد الغنى وما يمتحنه من فقد الأعزاء والأقرباء كل ذلك من قضاء الله الذي يجب الرضا به والصبر عليه وهو مما يفعله الله سبحانه بعبده للحكمة التي تقتضيه وما يعلمه الله عزوجل من الصلاح الذي لعبده فيه.
وكيف يقضي الله على العبد بالمعصية وهي من الباطل الذي يعاقب عليه وقد قال الله عز من قائل (وَاللهُ يَقْضِي بِالْحَقِ) غافر : ٢٠
وكذلك أقول في الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من إيجابه الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره فالخير من القضاء والقدر هو ما مالت إليه الطباع والتذت به الحواس والشر بالضد من ذلك على ما تقدم به البيان.
وسمي أيضا شرا لما على النفس في تحمله من المشاق وهو مما أجمع المسلمون عليه من الرضا بقضاء الله والتسليم لقدره.
ولو كان الظلم والغضب والكفر بالله عزوجل من قضاء الله وقدره لوجب الرضا به وترك إنكاره فلما رأينا العقلاء ينكرونه ولا يرضونه ويعيبون على من رضي به ويذمونه علمنا أنه ليس من قضاء الله سبحانه.
_________________
(١) رواه الصدوق في كتاب التوحيد صلى الله عليه وآله وسلم ٣٧٩ على تغيير في بعض ألفاظه.