فصل وبيان
وهذه الطريقة التي حكيتها هي عندي قاطعة لمادة الشبهة كافية في إثبات الحجة على المستدل وهي مطابقة لاختيار أبي القاسم البلخي لأنه لا يطلق القول بأن بين القديم وأول المحدثات مدة.
ويقول إنه أي الصانع تعالى قبلها بمعنى أنه كان موجودا ثم وجدت وهو معنى ما ذكر هذا المتكلم في قوله إن وجوده قارن عدم فعله ثم قارن وجود فعله فهو على هذا الوجه قبل أفعاله.
واعلم أيدك الله أن العبارات في هذه المواضع تضيق عن المعاني وتدعو الضرورة إلى النطق بما عهد ووجد في الشاهد وإن لم يكن المراد حقيقة في المتعارف ويجوز ذلك إذا كان مؤديا لحقيقة المعنى إلى النفس كقولنا قبل وبعد وكان وثم فليس المعهود في الشاهد استعمال هذه الألفاظ إلا في الأوقات والمدد.
فإذا قلنا إن الله تعالى كان قبل خلقه ثم أوجد خلقه فليس هذا التقديم والتأخير مفيدا لأوقات ومدد وقد يتقدم بعضها على بعض بأنفسها من غير أن يكون لها أوقات أخر.
وكذلك ما يطلق به اللفظ من قولنا إن وجود الله قبل وجود خلقه. فليس الوجود في الحقيقة معنى غير الموجود وإنما هو اتساع في القول والمعنى مفهوم معقول.
وقد سأل أبو القاسم البلخي نفسه فقال:
إن قال قائل أخبرونا عن أول فعل فعله الله تعالى أكان من الجائز أن يفعل قبل غيره؟
_________________
(١) هو أبو القاسم عبد اللّه بن أحمد بن محمود الكعبي البلخيّ توفّي سنة (٣١ ٧ ه) وهو من زعماء المعتزلة وشيوخهم ورأس طائفة منهم يقال لها الكعبية ، وهو أستاذ أبي جعفر محمّد بن عبد الرحمن المتكلم الشيعي المعروف (بابن قبة). وللبلخيّ مؤلّفات عديدة منها كتاب (عيون المسائل والجوابات) ذكره المسعودي في مروج الذهب ج صلى الله عليه وآله وسلم ١ ٥١. ولأبي القاسم البلخيّ آراء كلامية تنقل عنه في كتب الكلام والفرق.
(٢) في الأصل (والقول) ويبدو أن الواو فيها زائدة.