منه ، فإنّه حينئذ ، لا إشكال في صحة وضوئه لوجود أمر مطلق به بعد سقوط الحرمة بالعصيان الأول عند نقله إلى إناء مباح ، حيث لا يبقى حينئذ مزاحم لهذا الوضوء عند القيام به.
وإن اغترف الماء شيئا فشيئا حال التوضؤ ، فإن عدّ هذا الاغتراف تصرفا في المغصوب عرفا ، فإنّه حينئذ يندرج أيضا في الصورة السابقة ، حيث يجتمع في هذا التصرف عنوانان : عنوان الوضوء وعنوان الغصب. وإن لم يعدّ هذا الاغتراف المتكرّر بنفسه ، تصرفا في المغصوب ، وإنّما عدّ تصرفا بالاغتراف الذي يكون مقدمة للوضوء ، فقد ذهب الميرزا «قده» (١) هنا إلى التفصيل ، بين صورتي الانحصار ، وعدمه ، فحكم بالبطلان في الصورة الأولى ، لكون الوجوب مشروطا بالقدرة الشرعية ، وحيث لا قدرة شرعية في حالة الانحصار ، إذن فلا ملاك في الوضوء ، فيبطل ، ولا يمكن تصحيحه ولو ترتّبيا ، وحكم بالصحة في الصورة الثانية لفعليّة الملاك بفعليّة القدرة الشرعيّة على الوضوء حيث أنّ الجامع مقدور ، فيمكن الأمر به ، ولو بنحو الترتّب ، غايته أنّ المكلّف طبّق الجامع على فرد محرم يستلزم ارتكابه محرما بسوء اختياره ، لكن يصح وضوؤه.
وقد ذهب السيد الخوئي «قده» (٢) إلى خلاف المشهور ، حيث حكم بصحة الوضوء ، حتى في حالة الانحصار ، وذلك بدعوى أنّ القدرة الشرعيّة المأخوذة في وجوب الوضوء ، ليست أقل من القدرة التكوينيّة ، وذلك لأنّه إن كانت القدرة الشرعية مأخوذة على وزان القدرة العقليّة ، فيكفي إذن الوجود التدريجي في القدرة العقليّة ، ومثله يجري في القدرة الشرعيّة.
وتوضيحه هو : إنّا إذا لاحظنا القدرة التكوينية ، سوف نجد لها فردين ، أحدهما : القدرة التكوينية الدفعيّة ، كأن يكون لدى الإنسان ماء كاف من أول
__________________
(١) فوائد الأصول ـ الكاظمي : ج ١ ص ٢٢٨ ـ ٢٢٩.
(٢) محاضرات فياض : ج ٣ ـ ١٨٨ ـ ١٨٩ ـ ١٩٠ ـ ١٩١.