الأمر : والفرد الثاني ، هو : القدرة التكوينيّة التدريجية ، بحيث أنّ المكلف حين يغسل وجهه لا يكون قادرا على أكثر من ذلك ، ثم تحدث له القدرة تدريجيا كما لو كان لديه قطعة ثلج تذوب تدريجيا ، فهو واجد للماء على مراحل.
ولا شك في أنّ كلا من هذين النّحوين من التكوينيّة ، يكفي في إيجاب الوضوء فكما يجب في الحالة الأولى يجب في الثانية.
إذ تارة يجد ماء بلا محذور شرعي ، بحيث يكفي لوضوئه كله من أول الأمر.
وتارة أخرى يجد الماء بلا محذور شرعي بالتدريج ، ومعناه ، إنّ القدرة المأخوذة في وجوب الوضوء ، أعم من وجدانها دفعيا أو تدريجيا ، فالمكلّف الذي يغترف غرفة بعد غرفة لوضوئه ، وإن كان غير واجد لماء تمام وضوئه وجدانا شرعيا فإنه حينما يأخذ ماء وجهه ، ويرتكب المحرم ، لا يبقى محذور في غسل وجهه ، ثمّ يعصي مرة ثانية فيغترف لليمنى ، ثم هكذا لليسرى.
إذن المناط هو انتفاء المحذور الشرعي عند التلبّس بالوضوء ، فكما أنّ الوجدان التكويني يكفي ، فكذلك الوجدان التدريجيّ التشريعيّ يكفي.
وبتعبير آخر يقال : إنّ السيد الخوئي «قده» حكم بصحة الوضوء ، حتى في صورة الانحصار بدعوى : أنّ القدرة تتجدّد عند كل جزء من أجزاء الوضوء بالعصيان ، وبارتكاب المحرم ، حيث أنّ المكلّف بعد ارتكابه المحرم ، واغترافه الماء من الآنية المغصوبة ، يقدر على الوضوء بمقدار غسل الوجه ، وبما أنّه يعلم بارتكابه المحرم ثانيا وثالثا إلى أن يتم الوضوء فهو يعلم بطروّ التمكن عليه من غسل سائر الأعضاء ، فعندئذ لا مانع من الالتزام بثبوت الأمر به مترتّبا على عصيانه ، بناء على ما ذكرنا من صحة الترتّب وجوازه ، وإنّ وجود القدرة في ظرف الإتيان بالأجزاء اللاحقة ، شرط لوجوب الأجزاء السابقة على نحو الشرط المتأخر.