ومن المعلوم أنّه لا فرق في ذلك ، بين كون القدرة تبقى من الابتداء ، أو تحدث في ظرف الإتيان بها ، وقد عرفت أنّه لا دليل على اعتبار القدرة بأزيد من ذلك.
وهذا غير صحيح ، لأنّ القدرة المأخوذة في وجوب الوضوء ، إذا كانت بالمعنى الثاني ، فلا يتصور الترتب وإن كانت بالمعنى الأول ، فلا بأس بالترتب.
وتوضيحه : إنّه إن كانت القدرة بالمعنى الثاني ، أي : بمعنى عدم المانع ، والأمر بالخلاف من قبل المولى ، فهذا المعنى لا يكفي فيه الوجدان التدريجي.
ونكتة الفرق بين القدرة التكوينيّة والشرعيّة : إنّه في التكوينيّة يكتفى بالوضوء التدريجيّ ، ولا يكتفى بذلك في القدرة التدريجية ، هي إنّ القدرة التكوينية وما يلحق بها من عدم الاشتغال بالضد الواجب المساوي أو الأهم ، هو قيد عقلي في الخطاب ، فمن الواضح أن البرهان العقلي هو حكم العقل ، ومن الواضح أنّ هذا البرهان إنما يبرهن على جامع الوجدان للقدرة ، لأنّ نكتة هذا التقييد عقلا هي قبح التكليف بما لا يطاق ، ومن الواضح أنّ القادر الواجد للماء مثلا لا يقبح من المولى أن يأمره بالتوضؤ وإن لم يجد الماء دفعة واحدة ، ولكن هو واجد له شيئا فشيئا.
إذن فالبرهان لا يأبى عن صورة الإطلاق في القدرة العقلية.
وأما القدرة الشرعية بالمعنى الثاني : فهذا القيد زائد ، لم يكن ببرهان العقل ، وإنما هو شرعي مولوي يستفاد من لسان الدليل ، وحينئذ يكون من الواضح أنّ الظاهر في كل قيد يفرض في لسان الدليل أن يكون مقارنا لا متأخرا ، فيجب أن يكون الأمر بالوضوء مقارنا مع عدم وجود مانع شرعي عن تمام الوضوء ، وهذا غير حاصل في المقام ، إذ حينما يغترف لوجهه ، لا يأتي له أمر «توضأ» ، لعدم وجود القيد ، ولا يأتي له ، «اغسل وجهك» ، لأنّ