إذن فلا محيص عن الالتزام بلوح الواقع ، وكون هذا اللوح أوسع من لوح الوجود ، فضلا عن لوح المادة التي هي قطّاع من قطّاعات لوح الوجود.
وإن شئت قلت : إنه يرد على تفكيك مشهور الحكماء بين القسم الثالث ، والقسمين الأوّلين ، يرد إيرادان :
الإيراد الأول ، هو : إنّ التفكيك بين ظرف العروض وظرف الاتصاف ، أمر لا نتعقّله ، لأنّ الاتصاف إنّما يكون بلحاظ العروض ، إذن فيستحيل أن يكون ظرفه غير ظرف العروض.
الإيراد الثاني ، هو : إنّ هذه الأعراض إذا كان مرادهم من كونها اعتباريّة إنّها اعتباريّة ذهنية محضة كاعتبار «رجل طويل يصل إلى القمر» ، بحيث أنّه لا حقيقة لها وراء الاعتبار ، فإنّ هذا واضح الفساد ، بداهة أنّ قضيّة «الإنسان ممكن» تختلف عن قضيّة. «رجل طويل يصل إلى القمر». إذ إنّ العقل يدرك صدق القضيّة الأولى وواقعيّتها ، بقطع النظر عن وجود عقل ومعتبر ، بل حتى لو لم يوجد إنسان ، ويدرك كذب الثانية حتى لو لم يوجد إنسان.
وإن كان مرادهم ، إنها حالة عقلية معيّنة بالضرورة ، بحيث أنّ الإنسان ينساق ويضطر إلى أن يعتبر هذه الأعراض ، منذ ما يلاحظ معروضاتها ، ولكن ليست كالأمور الاعتباريّة المحضة ، حينئذ يكون هذا نحو فرق بينهما.
وحينئذ يقال : بأنّ هذا الانسياق إمّا أن يكون باعتبار نكتة فسلجيّة قائمة في ذات الإنسان ، تضطرّه أن ينساق إلى هذه المعاني ، من دون أن يكون هذا مرتبطا بالواقع الموضوعي في الخارج ، بل هي مرتبطة بنكتة فسلجيّة قائمة في ذهن المفكر نفسه ، كما ذهب إلى ذلك بعض الفلاسفة المحدثين. إن كان ذلك كذلك ، فهذا أيضا خلاف الضرورة والوجدان ، بل الضرورة قاضية بأنّ قضيّة «الإنسان ممكن» ، وأنّ قضيّة «مساوي المساوي مساو» ، قضيّة صادقة حتى لو لم يوجد إنسان أو فكر ، إذ العقل يدرك